نضو أدبر، قَالَ: ما أخطأت شيئاً، فمن أنا؟ قَالَ: أنت عارفٌ ذو الّلسان العضب، والقلب النّدب، والمضّاء الغرب، منّاع السّرب، ومبيح النّهب، ثم قام مرةّ بن عبد رضى، فقَالَ: ما خبيئي وما اسمي؟ فقَالَ سواد: أقسم بالأرض والسماء، والبروج والأنواء، والظّلمة والضياء، لقد خبأت دمّةً فِي رمّة، تحت مشيط لمّة، قَالَ: ما أخطأت شيئاً، فمن أنا؟ قَالَ: أنت مرّة، السّريع الكرّة، البطيء الفرّة، الشديد المرّة، قالوا: فأَخْبَرَنَا بما رأينا فِي طريقنا إليك، فقَالَ: والناظر من حيث لا يرى، والسامع قبل أن يناجي، والعالم بما لا يدري، لقد عنّت لكم عقابٌ عجزاء، فِي شغانيب دوحة جرداء، تحمل جدلاً، فتماريتم إما يداً وإما رجلاً، فقالوا: كذلك، ثمّ مه؟ قَالَ: سنح لكم قبل طلوع الشّرق، سيدٌ أمق، عَلَى ماء طرق، قالوا: ثم ماذا؟ قَالَ: ثم تيسٌ أفرق، سند فِي أبرق، فرماه الغلام الأزرق، فأصاب بين الوابلة والمرفق، قالوا: صدقت، وأنت أعلم من تحمل الأرض، ثم ارتحلوا عنه، فقَالَ عارف:
ألا لله علمٌ لا يجاري ... إِلَى الغايات فِي جنبي سواد
أتيناه نسائله امتحاناً ... ونحسب أن سيعمد بالعناد
فأبدى عَنْ خفى مخبّآتٍ ... فأضحى سّرها للناس بادي
حسام لا يليق ولا يثاثا ... عَنِ القصد الميممّ والسّداد
كانّ خبيئنا لما انتجينا ... بعينيه يصّرح أو ينادي
فأقسم بالعتائر حيث فلس ... ومن نسك الأقيصر م العباد
لقد حزت الكهانة عَنْ سطيح ... وشقٍّ والمرفّل من إياد
أمرع: أخصب.
والجناب: ما حول الدار، والضّافي: السابغ الكثير، يُقَال: خير فلان ضافٍ عَلَى قومه أي سابغٌ عليهم، والرّغاب: الواسعة الكثيرة، ويقَالَ: فلان ذو أكلٍ أي: ذو حظٍّ ورزق فِي الدنيا، والجمع آكال، والأغيال: جمع غيلٍ، والغيل: الماء الجاري عَلَى وجه الأرض، وفي الحديث ما سقي بالغيل ففيه العشر وما سقي بالدلو فنصف العشر والغلل: الماء الذي يجري بين الشجر، والجفال: الكثيرة، وهذا الجمع قليل جدّاً لم يأت منه إلا أحرف مثل ربابٍ وهو جمع ربّي، والرّبّي: الحديثة النّتاج، وفرير لولد البقرة وجمعه فرار، ونعم كثاب وهي