للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقَالَ الآخر:

لقد تركت فؤادك مستجنا ... مطوقة عَلَى فننٍ تغنى

يميل بها وتركبه بلحن ... إذا ما عَنَّ للمحزون أَنَّا

فلا يحزنك أيام تولى ... تذكرها ولا طير أرنا

وقَالَ الآخر:

وهاتفين بشجوٍ بعد ما سجعت ... ورق الحمام بترجيع وإرنان

باتا عَلَى غصن بان فِي ذرى فننٍ ... يرددان لحونا ذات ألوان

معناه: يرددان لغاتٍ، وصرف أَبُو زيد منه فعلا فقَالَ: لحن الرجل يلحن لحنا إذا تكلم بلغته، قَالَ: ويقَالَ: لحنت لَهُ لحناً إذا قلت لَهُ قولا يفهمه عنك ويخفى عَلَى غيره، ولحنه عنى لحنا، أي فهمه، وألحنته أَنَا إياه إلحانا، وهذا مذهب أبى بَكْر بْن دريد فِي تفسير قول الشاعر:

منطق صائب وتلحن أحيانا

قَالَ: يريد: تعوص فِي حديثها فتزيله عَنْ جهينة لئلا يفهمه الحاضرون، ثم قَالَ. . . وخير الحديث ما كَانَ لحنا أي خير الحديث ما فهمه صاحبك الذى تحب إفهامه وحده، وخفى عَلَى غيره.

قَالَ: وأصل اللحن أن تريد الشىء فتورى عَنْهُ بقول آخر، كقول رَجُل من بنى العنبر كَانَ أسيرا فِي بَكْر بْن وائل، فسألهم رسولا إِلَى قومه، فقالوا لَهُ: لا ترسل إلا بحضرتنا، لأنهم كانوا أزمعوا غزو قومه فخافوا أن ينذر عليهم، فجىء بعبد أسود فقَالَ لَهُ: أتعقل؟ قَالَ: نعم إنى لعاقل، قَالَ: ما أراك عاقلاً؛ ثم قَالَ: ما هذا؟ وأشار بيده إِلَى الليل، فقَالَ: هذا الليل، فقَالَ: أراك عاقلاً، ثم ملأ كفيه من الرمل فقَالَ: كم هذا؟ فقَالَ: لا أدرى وإنه لكثير، فقَالَ: أيهما أكثر، النجوم أو النيران؟ فقَالَ: كل كثير، فقَالَ: أبلغ قومى التحية وقل لهم: ليكرموا فلانا يعنى أسيرا كَانَ فِي أيديهم من بَكْر بْن وائل، فإن قومه لى مكرمون، وقل لهم: إن العرفج قد أدبى وقد شكت النساء، وأمرهم أن يعروا ناقتى الحمراء فقد أطالوا ركوبها، وأن يركبوا جملى الأصهب بآية ما أكلت معكم حيسا؛ واسألوا الحارث عَنْ خبرى.

فلما أدى العبد الرسالة إليهم قَالُوا: لقد جن الأعور، والله ما نعرف لَهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>