فقد كنت أبكي والنّوى مطمئنةٌ ... بنا وبكم من علم ما البين صانع
وأهجركم هجر البغيض وحبّكم ... عَلَى كبدي منه كلوم صوادع
وأعجل للإشفاق حتّى يشفّني ... مخافة شحط الدار والشّمل جامع
وأعمد للأرض التي من ورائكم ... ليرجعني يوماً عليك الرّواجع
فيا قلب صبراً واعترافاً لما ترى ... ويا حبّها قع بالذي أنت واقع
لعمري لمن أمسى وأنت ضجيعه ... من النّاس ما اختيرت عليه المضاجع
ألا تلك لبنى قد تراخى مزارها ... وللبين غمٌّ ما يزال ينازع
إذا لم يكن إلا الجوى فكفى به ... جوى حرقٍ قد ضمنّتها الأضالع
أبائنةٌ لبنى ولم تقطع المدى ... بوصل ولا صرمٍ فييأس طامع
يظلّ نهار الوالهين نهاره ... وتهدنه فِي النائمين المضاجع
سواي فليلي من نهاري وإنما ... تقسّم بين الهالكين المصارع
ولولا رجاء القلب أن تعطف النّوى ... لما حملته بينهنّ الأضالع
له وجباتٌ إثر لبنى كأنها ... شقائق برق فِي السحاب لوامع
نهاري نهار الناس حتى إذا دجا ... لي اللّيل هزّتني إليك المضاجع
أقضّى نهاري بالحديث وبالمنى ... ويجمعني بالليل والهمّ جامع
وقد نشأت فِي القلب منكم مودّةٌ ... كما نشأت فِي الراحتين الأصابع
أبى الله أن يلقي الرّشاد متيّم ... ألا كلّ أمرٍ حمّ لا بد واقع
هما برحا بي معولين كلاهما ... فؤادٌ وعينٌ ماقها الدّهر دامع
إذا نحن أنفدنا البكاء عشيّةً ... فموعدنا قرنٌ من الشمس طالع
وللحب آياتٌ تبيّن بالفتى ... شحوبٌ وتعرى من يديه الأشاجع
وما كلّ ما منّتك نفسك خالياً ... تلاقي ولا كلّ الهوى أنت تابع
تداعت له الأحزان من كلّ وجهةٍ ... فحنّ كما حنّ الظّؤار السواجع
وجانب قرب الناس يخلو بهمه ... وعاوده فيها هيام مراجع