الغالبة؛ ضرورة أنه ليس الغالب في العالم إنما هو المصلحة بل هو الشر والفساد، وحينئذ يلزم أن لا يكون فعله معللًا بالمصلحة ضرورة أن مجموع تلك المصلحة والمفسدة ليست مصلحة بل إما عبث أو مفسدة.
فإن قلت: اقداره تعالى إياه إنما هو للمصلحة وما يترتب عليه من المفاسد فإنما هو بسوء اختيار المكلف.
قلت: فاختيار المكلف إن كان من فعله تعالى عاد المحذور المذكور، وإن كان من فعل العبد فالكلام في اقداره عليه كما في الأول، فيلزم إما التسلسل وهو محال، أو لزوم الشر والفساد من فعله تعالى.
وتاسع عشرها: لو كانت أفعاله تعالى معللة بالمصالح لما أمات الأنبياء والخلفاء الراشدين، وأنظر إبليس وسلطه على بني آدم فيأتيهم من حيث لا يرونه، ولما ملك الملوك الجبابرة الظلمة وسلطهم على الضعفاء والصالحين، ولما أوجب تخليد أهل النار؛ إذ لا مصلحة في شيء من ذلك، أو وإن كان فيه مصلحة لكنها مرجوحة بالنسبة إلى ما فيه من المفسدة والعقوبة.
والعشرون: أن التكليف بمعرفة وجود الصانع متوجه نحو المكلف وهو إن كان حال العلم به فيلزم تحصيل الحاصل وهو محال، أو حال عدم العلم به وهو أيضًا محال؛ لأن في تلك الحالة يستحيل أن يعرف تكليفه إياه؛ لأن العلم بذلك يستدعى العلم بالمكلف فحالة الجهل به يستحيل العلم بذلك، وإذا استحال أن يعرف تكليفه إياه كان التكليف إليه متوجهًا إليه حالة الجهل به وإنه تكليف ما لا يطاق. فثبت بهذه الوجوه أن أفعال الله تعالى وأحكامه غير معللة بالمصالح، وحينئذ لا يغلب على الظن كون الأحكام مشروعة للمصالح وإن رأيناها مقترنة معها.