عليه ملائكة بيض الوجوه كأن وجوههم الشمس، ومعهم كفن من أكفان الجنة وحنوط من حنوط الجنة، فيجلسون معه مد البصر، ثم يجيء ملك الموت حتى يجلس عند رأسه فيقول: أيتها النفس المطمئنة الطيبة أخرجي إلى مغفرة من الله ورضوانه، قال: فتخرج تسيل كما تسيل القطرة من السقاء فيأخذونها ولا يدعونها في يده طرفة عين حين يأخذوها فيجعلوها في ذلك الكفن والحنوط، فيخرج منها كأطيب نفحة مسك وجدت على وجه الأرض، فيصعدون بها فلا يمرون بها على ملأ من الملائكة إلا قالوا ما هذه الروح الطيبة؟ فيقولون هذا فلان ابن فلان بأحسن أسمائه، ثم ينتهون بها إلى سماء الدنيا فيستفتحون لها فيفتح لهم فيستقبلوها ويشيعوها من كل سماء مقربوها إلى السماء التي تليها حتى ينتهوا إلى السماء السابعة، فيقول الله -عز وجل- اكتبوا كتابه في عليين وأعيدوه إلى الأرض:{منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى}[طه: ٥٥].
فتعاد الروح إلى جسده، ويأتيه ملكان فيقولان له: من ربك وما دينك؟ فيقول: ربي الله وديني الإسلام، فيقولان له: ما تقول في هذا الرجل الذي بعث فيكم؟ فيقول: هو رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، جاءنا بالحق، فيقولان له: وما علمك بذلك؟ فيقول: قرأت كتاب الله تعالى، وآمنت به وصدقته، فينادى من السماء: صدق عبدي فافرشوا له من الجنة وألبسوه من الجنة وافتحوا له بابًا إلى الجنة، فيأتيه ريحها وطيبها ويفسح له في قبره، مد البصر، ويأتيه رجل حسن الوجه طيب الريح فيقول له: أبشر بالذي يسرك هذا يومك الذي كنت توعد، فيقول له: من أنت فيقول: أنا عملك الصالح، فيقول عند ذلك: رب أقم الساعة، رب أقم الساعة.
وإن العبد الكافر إذا كان في إقبال من الآخرة وانقطاع من الدنيا أنزل الله تعالى عليه ملائكة من السماء سود الوجوه معهم المسوح، فيجلسون معه مد البصر، ثم يجيء ملك الموت يجلس عند رأسه فيقول: أيتها النفس الخبيثة اخرجي إلى سخط الله وغضبه فتتفرق في أعضائه كلها فينزعها كما ينزع العود من الصوف المبلول، فتنقطع منه العروق والعصب فيأخذونها فيجعلونها في تلك المسوح فيخرج منها كأنتن جيفة، فيصعدون بها فلا يمرون بها على ملأ من الملائكة إلا قالوا: ما هذه الروح الخبيثة؟ فيقولون: هذا فلان ابن فلان بأقبح أسمائه حتى ينتهوا بها إلى سماء الدنيا فيستفتحون لها فلا يفتح لهم، ثم قرأ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هذه الآية:{لا تفتح لهم أبواب السماء}[الأعراف: ٤٠]،