وحوائجهم في كل جمعة يومًا، قد جعلت على عرشها أربع أعمدة من ذهب، ثم تجلس هي فيه وهي تراهم ولا يرونها فإذا أراد الرجل منها الحاجة والأمر سألها، فقام بين يديها فينكس ولا ينظر نحوها، ثم يسجد فلا يرفع رأسه، حتى تأذن له إعظامًا لها، فإذا قضت حوائجهم وأمرت بأمرها دخلت قصرها ولم يروها إلى مثل ذلك اليوم، ملكها ملك عظيم.
فلما أتى الهدهد بالكتاب وجد الأبواب قد غلقت دونها، والحرس حول القصر دائر حوله، فطلب السبيل إليها حتى وصل إليها من كوة في القصر، فدخل منها من بين إلى بيت حتى انتهى إلى أقصى سبعة أبيات علا عرشها في السماء ثلاثون ذراعًا، فرآها مستلقية على عرشها نائمة، ليس عليها إلى خرقة على عورتها، وكذلك كانت تصنع إذا نامت، قال: فوضع الكتاب إلى جنبها على السرير، ثم طار فوقف في كوة ينتظرها حتى تقرأه، فمكث طويلًا وهي لا تستيقظ، فلما أبطأ عليه ذلك انحط فنقرها فاستيقظت، فنظرت فإذا هي بالكتاب إلى جنبها على السرير، فأخذته وفركت عينيها فجعلت تنظر ما حال الكتاب وكيف وصل الكتاب إليها والأبواب مغلقة، فخرجت فإذا الحرس حول القصر، فقال: هل رأيتم أحدًا دخل علي وفتح بابًا؟ قالوا: لا، ما زالت الأبواب مغلقة كما هي ونحن حول القصر نحرس، ففتحت الكتاب وقرأته وكانت كاتبة وقارئة، فإذا فيه {بسم الله الرحمن الرحيم} فلما قرأته أرسلت إلى قومها فاجتمعوا إليها و {قالت}[النمل: ٢٩] لهم: {يا أيها الملأ إني ألقي إلي كتاب كريم}[النمل: ٢٩] يعني مختومًا وحسنًا {إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم * ألا تعلوا علي وائتنوني مسلمين}[النمل: ٣٠ - ٣١] يعني مصالحين و {قالت يا أيها الملأ افتوني في أمري}[النمل: ٣٢] يعني أخبروني بما أريد أن أصنع في أمري {ما كنت قاطعة أمرًا}[النمل: ٣٢] يعني عاملة {حتى تشهدون}[النمل: ٣٢] يعني تسمعون وتحضرون المشورة فـ {قالوا نحن أولوا قوة}[النمل: ٣٣] يعني منعة {وأولوا بأس شديد}[النمل: ٣٣] لم يغلبنا عدو قط بالقتال والمنعة والكثرة، ولم نعط أحدًا المقادة، وأنت أعلم بأمرك، فأمرينا بأمر نتبعه، فأبوا إلا تعظيمًا لحقها، فهو قوله -عز وجل-: {والأمر إليك فانظري ماذا تأمرين}[النمل: ٣٣] به نتبع أمرك، فنطقت بعلم وحكم و {قالت إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها}[النمل: ٣٤] يعني خربوها {وجعلوا أعزة أهلها أذلة}[النمل: ٣٤] يعني منعة أهلها أذلة صغيرة {وكذلك يفعلون}[النمل: ٣٤] الملوك المحاربون، يأخذون