أموالهم ويقتلون مقاتلتهم ويسبون ذراريهم، ثم قالت:{وإني مرسلة إليهم بهدية}[النمل: ٣٥] يعني إلى سليمان {فناظرة بم يرجع المرسلون}[النمل: ٣٥] يعني فأنظر ماذا يردون على رسلي وماذا يخبروني عنه، قال: فأهدت إليه اثنى عشر غلامًا فيهم تأنيث، مخضبة أيديهم، قد مشطتهم وألبستهم لبس الجواري وتقدمت إليهم إذا كلموهم يردوا عليهم بكلام فيه تأنيث، وأهدت إليه اثنتي عشرة جارية فيهن غلظ، فاستأصلت رؤوسهن وأزرتهن وألبستهن النعال، وقالت لهن: إذا كلمكن سليمان فارددن له جوابًا صحيحًا، وأرسلت إليه بعود الحرج البخور وبالمسك والعنبر والحرير في الأطباق على أيدي الوصائف، وأرسلت باثنتي عشرة بختية تحلب كذا وكذا من اللبن، وأرسلت إليه بخرزتين إحداهما مثقوبة وثقبتها ملتوية، والثانية غير مثقوبة، وأرسلت بقدح ليس فيه شيء، وأرسلت إليه مع هديتها إلى سليمان امرأة، وأوصتها بأن تحفظ جميع ما يكون من أمر سليمان وكلامه حتى تخبرها به، وقالت لهم: قوموا بين يديه قيامًا ولا تجلسوا حتى يأمركم، فإنه إن كان جبارًا لم يأمركم بالجلوس فأرضيه بالمال فيسكت عنا، وإن كان حليمًا عليمًا عالمًا أمركم بالجلوس، وأمرت المرأة أن تقول له بأن يدخل في الخرزة المثقوبة خيطًا بغير علاج إنس ولا جان، وأمرتها أن تقول له أن يثقب الأخرى بغير حديد ولا علاج إنس ولا جان، وأن يميز بين الغلمان والجواري، وأمرتها أن تقول له أن يملأ القدح ماء مزيدًا رويًا، ليس من الأرض ولا من السماء، وكتبت إليه تسأله عن ألف باب من العلم.
فانطلق رسلها بهديتها حتى أتوا بها إلى سليمان، فوضعوا الهدية بين يديه وقاموا على أرجلهم ولم يجلسوا، فنظر إليهم سليمان لحظًا لم يحرك يدًا ولا رجلًا ولا تهشهش لها ولم يفرح ولم يعرف الرسل ذلك فيه ولا من مقالته، ثم رفع رأسه ونظر إلى رسلها وقال: إن الله -عز وجل- رفع السماء، ووضع الأرض فمن شاء وقف ومن شاء جلس، فأذن لهم بالجلوس، قال فتقدمت المرسلة إلى سليمان وقدمت إليه الخرزتين وقالت له أن بلقيس تقول لك بأن تدخل في هذه الخرزة المثقوبة خيطًا ينفذ إلى الجانب الآخر من غير علاج إنس ولا جان وأن تثقب الخرزة الثانية ثقبًا إلى الجانب الآخر بغير حديد ولا علاج إنس ولا جان، ثم قربت إليه القدح وقالت له إنها تقول لك بأن تملأ هذا القدح ماء مزيدًا رويًا ليس من الأرض ولا من السماء، ثم قدمت الوصف والوصائف وقالت إن بلقيس تقول لك أن تميز بين الغلمان والجواري.