فعند ذلك جمع سليمان أهل مملكته، فاجتمعوا عليه، ثم أخرج الخرزتين فقال: من لي بهذه الخرزة يدخل فيها خيطًا يخرج من الجانب الآخر، فتكلمت دودة تكون في الفصفصة يعني في الأرض الرطبة وهي دودة حمراء وقالت: أيها الملك أنا لك بها على أن تجعل رزقي في الرطبة، فقال: نعم، فعلق في رأس الدودة خيطًا فدخلت في الخرزة تحكها حتى خرجت من الجانب الآخر، فجعل رزقها في الرطبة، ثم قرب الخرزة الثانية وقال: من لي يثقف هذه الخرزة بغير حديد فتكلمت دودة أخرى بين يديه وهي الأرضة، فقالت: أيها الملك أنا لك بهذه، على أن تجعل رزقي في الخشب، فقال: ذلك لك، فوقفت على الخرزة فثقبتها إلى الجانب الآخر، فجعل رزقها في الخشب، ثم قدم القدح وأمر بإحضار الخيل العراب فحضروا، فأجريت حتى إذا جهدت وسال عرقها فحينئذ ملأ القدح من العرق، وهو الماء المزيد الروي ليس هو من الأرض ولا من السماء، ثم أمر بماء فوضع بين يديه فقال للوصفاء: توضؤوا ليتميز الغلمان من الجواري.
قالت: فجعلت الجواري يصببن الماء على أكفهن فجعلت إحداهن تأخذ الماء بكفها اليسرى وتفرغه على ذراعها الأيسر، ثم تتبعها كفها اليمنى فتغسلها، فتعرف عند ذلك أنها جارية، فيعزلها حتى عزل اثنتي عشرة جارية وصيفة.
وأما الغلمان فجعل الوصيف يأخذ الماء بكفه اليمنى فيغسل به ذراعه اليمنى ثم يتبع بها كفه اليسرى فيعرف أنه غلام، حتى عزل اثنى عشرة غلامًا.
ثم نظر إلى المسائل فأجاب عنها بألف جواب مع رسولها، ثم رد عليها هديتها، و {قال}[النمل: ٣٦] لمرسلتها: {أتمدونني بمال فما آتاني الله}[النمل: ٣٦] من النبوة والملك {خير مما آتاكم}[النمل: ٣٦] من المال {بل بهديتكم تفرحون}[النمل: ٣٦] يعني تعجبون.
ثم كتب إليها كتابًا ودفعه إلى الهدهد وقال:{ارجع إليهم فلنأتينهم بجنود لا قبل لهم بها}[النمل: ٣٧] يعني بجموع لا قبل لهم بها {ولنخرجنهم منها أذلة}[النمل: ٣٧] يعني من قرية سبأ أذلة صغيرة {وهم صاغرون} أذلاء.
فلما أتى الهدهد بالكتاب مرة أخرى فقرأته ورجعت رسلها عنده، فقصت عليها قصة سليمان وما فعل في جميع ما أرسلت به إليه وما رد إليها من الجواب، فقالت