وإبراهيم الخليل -عليه السلام- مع جلالة قدره واصطفاء الله له بخلته وجعله أبا الأنبياء والمرسلين، كما روى أنه أخرج من ولده وولده ولده أربعة آلاف نبي عليه وعليهم السلام، قال الله تعالى:{وجعلنا ذريته هم الباقين}[الصافات: ٧٧].
حتى نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- من ولده، وموسى وعيسى وداود وسليمان -عليهم السلام- وغيرهم لم يستغن عن التوبة والاستكانة والافتقار إلى الله -عز وجل- فقال:{الذي خلقني فهو يهدين * والذي هو يطعمني ويسقين * وإذا مرضت فهو يشفين * والذي يميتني ثم يحيين * والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين}[الشعراء: ٧٨ - ٨٢]، وقوله -عز وجل-: {وأرنا مناسكنا وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم}[البقرة: ١٢٨].
وموسى -عليه السلام- مع جلالة قدره واصطفاء الله له بالرسالة والكلام واصطناعه لنفسه، وإلقائه المحبة عليه، وتأييده له بالمعجزات الباهرات من اليد والعصا والآيات التسع والأشياء التي كانت له في التيه، من عمود النور بالليل والمن والسلوى وغير ذلك من الآيات التي لم تكن لأحد من الأنبياء قبله {قال رب اغفر لي ولأخي وأدخلنا في رحمتك وأنت أرحم الراحمين}[الأعراف: ١٥١].
وداود النبي -عليه السلام- مع جلالة قدره وإعطاء الله له ذلك الملك العظيم، كان حراسة ثلاثة وثلاثين ألف حارس، وكان إذا قرأ الزبور اصطفت الطير على رأسه، ووقف الماء عن جريانه وحدته، واصطفت الإنس والجن حوله، والسباع والهوام كذلك لا يؤذي بعضها بعضًا، وتسبح الجبال بتسبيحه، وألين له الحديد لرزقه إجلالًا لقدره وصيانة لأمره، بكى أربعين يومًا ساجدًا، حتى نبت العشب من دموعه، فرحمه الله تعالى وتاب عليه، حتى قال -عز وجل-: {فغفرنا له ذلك وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب}[ص: ٢٥].
وسليمان بن داود عليهما السلام مع ملكه العظيم وريحه المسخرة له، غدوها شهر ورواحها شهر، والملك الذي لا ينبغي لأحد من بعده، لما عوقب على خطيئته من أجل التمثال الذي عبد في داره أربعين يومًا من غير علمه فسلب ملكه أربعين يومًا فهرب تائهًا على وجهه، وكان يسأل بكفيه فلا يطعم، فإذا قال أطعموني فإني سليمان بن داود شج رأسه وضرب وأهين وكذب، ولقد استطعم يومًا من بيت فطرد وبزقت امرأة في وجهه.