وروي أنه ذات يوم أخرجت عجوز جرة فيها بول وصبته على رأسه، فبقى في الذل على ذلك إلى أن أخرج الله له الخاتم من بطن حوت، فلبسه حتى انتهت الأربعون يومًا من أيام العقوبة، فجاءت الطير حينئذ فعكفت عليه، وجاءت الجن والشياطين والوحوش فاجتمعت حوله، فلما عرفه الذين أهانوه وضربوه اعتذروا إليه مما جرى منهم إليه من الإساءة، فقال: لا ألومكم فيما صنعتم من قبل، ولا أحمدكم الآن فيما تصنعون، فإن هذا أمر من السماء ولابد منه، فتاب الله عليه، ورد إليه ملكه، وأحسن موئله ومرجعه -عليه السلام-.
فإذا كان هؤلاء السادة الكبراء القادة ولاة الخلق والشرع وملوكها وخلفاء الله في خلقه حالهم كذلك، فما حالك واغترارك يا مسكين، وأنت في دار الغرور في إقطاع الشياطين، محيط بك جنود الأعداء من الخلق والهوى والنفس والشهوات والإرادات والوساوس وتزيين الشيطان وتحسينه، واغتررت بالعبادات الطاهرة من: الصوم والصلاة والزكاة والحج، وكف الجوارح عن المعاصي الظاهرة، وباطنك عار عن العبادات الباطنة صفر عنها من: الورع الشافي والتأني والتقوى والزهد والصبر والرضا والقناعة والتوكل والتفويض واليقين وسلامة الصدر وسخاوة النفس ورؤية المنة والنية والإحسان وحسن الظن وحسن الخلق وحسن المعاشرة وحسن المعرفة وحسن الطاعة والصدق والإخلاص وغير ذلك مما يطول شرحه.
بل أنت مشحون ممتلئ بخلال قبيحة وأمهات الذنوب التي منها تتفرع كل محنة وداهية، وكل بلية مهلكة موبقة في الدنيا والآخرة من: خوف الفقر والسخط لقدر الله -عز وجل-، والاعتراض عليه في قضائه في خلقه، والتهمة له في ذلك، والشك في وعده، والغل والحقد والحسد والغش، وطلب العلو والمنزلة، وحب الثناء والمحمدة، وحب الجاه في الدنيا والرضا بها والطمأنينة إليها، والتكبر على عباد الله والتعظيم عليهم، والشمخ بالأنف كما قال تعالى:{وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم}[البقرة: ٢٠٦]، والغضب والحمية والأنفة، وحب الرياسة والعداوة والبغضاء والطمع والبخل والشح والرغبة والرهبة والفرح والأشر والبطر والتعظيم للأغنياء والاستهانة بالفقراء، والفخر والخيلاء، والتنافس في الدنيا والمباهاة بها، والرياء والسمعة، والإعراض عن الحق استكبارًا، والخوض فيما لا يعني، وكثرة الكلام من غير نفع، والتيه والصلف، واختبار أحوال الغير، وترك حالتك التي أنت عليها، وجعلت عبادتك