وأما الزكاة فيحسب جميع ماله وعدد السنين من أول تمام ملكه لا من زمان بلوغه وعقله، إذا الزكاة واجبة على الصبي والمجنون عندنا، فيخرجها ويدفعها إلى مستحقيها من الفقراء والمساكين وغيرهم، فإن كان قد أدى في بعض السنين وتوانى في بعض حسب ذلك، وأدى المتروك وترك المؤدى على ما تقدم في الصوم والصلاة.
وأما الحج فإن كان قد تم شروطه في حقه فوجب عليه السعي فيه والقصد إليه فتوانى وفرط حتى افتقر واختلت الشرائط في حقه برهة من الزمان ثم قدر، فعليه الخروج والقصد إليه، وإن لم يجد المال وكان له قدرة على الخروج ببدنه مع الإفلاس فعليه الخروج، فإن لم يقدر إلا بمال فعليه أن يكتسب من الحلال قدر الزاد والراحلة، فإن لم يقدر على الكسب فليسأل الناس ليدفعوا إليه من زكاتهم وصدقاتهم ليحج، لأن الحج من السبيل عندنا، وهو واحد من الأصناف الثمانية، وهو قوله عز وجل:{وفي سبيل الله}[التوبة: ٦٠] فإن مات قبل ذلك مات عاصيًا أثمًا، لأنه فرط في أداء الحج.
وهو عندنا على الفور، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "من جد زادًا وراحلة تبلغه البيت فلم يحج فلا عليه أن يموت يهوديًا أو نصرانيًا أو على ملة"، وفي لفظ آخر "من مات ولم يحج فليمت إن شاء يهوديًا وإن شاء نصرانيًا".
وإن كان عليه كفارات ونذور فعليه الخروج منها والاحتياط فيها والتحرز على ما ذكرنا.
وأما المعاصي فينبغي أن يفتش من أول بلوغه عن سمعه وبصره ولسانه ويده ورجله وفرجه وجميع جوارحه، ثم ينظر في جميع أيامه وساعاته، ويفصل عند نفسه ديوان معاصيه، حتى يطلع على جميعها صغائرها وكبائرها، ويتذكرها جميعها برؤية قرنائه الذين كانوا معه فيها وشاركوه في اقترافها، والبقاع التي قارف عليها، والمنازل التي تستر فيها عن الأعين في زعمه، وغفل عن الأعين التي لا تنام ولا تغمض طرفة عين عنه {كراما كاتبين* يعلمون ما تفعلون}[الانفطار: ١١ - ١٢]، {ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد}[ق:١٨] غفل عن هؤلاء الكرام الحفظة {له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله}[الرعد: ١١] ويحصون عليه أفعاله وأنفاسه، وغفل عن عالم السر وأخفى العليم بذات الصدور، والخبير بما يخفون وما يعلنون، ثم ينظر في ذلك، فإن