كانت المعاصي تتعلق بحق الله وهي بينه وبينه لا تتعلق بمظالم العباد كالزنا وشرب الخمر وسماع الملاهي، وكالنظر إلى غير محرم، والقعود في المسجد وهو جنب، ومس المصحف بغير وضوء، واعتقاد وبدعة، فتوبته عنها بالندم والتحسر والاعتذار إلى الله عز وجل عنها ويحسب مقدارها من حيث الكثرة ومن حيث المدة، ويطلب لكل معصية عنها حسنة تناسبها، فيأتي من الحسنات بمقدار تلك السيئات أخذًا من قوله تعالى:{إن الحسنات يذهبن السيئات}[هود: ١١٤] ومن قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "اتق الله حيثما كنت، واتبع السيئة الحسنة تمحها" فتكفير كل سيئة بحسنة من جنسها بما تقارب أن تكون كفارة له دون غيره في التشبيه.
فتكفير شرب الخمر بالتصدق بكل شراب حلال هو أحب إليه ,أطيب عنده، وسماع الملاهي بسماع القرآن وأحاديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وحكايات الصالحين، وتكفير القعود في المسجد جنبًا بالاعتكاف فيه من الاشتغال بالعبادة، وتكفير مس المصحف محدثًا بإكرام المصحف وكثرة قراءة القرآن منه وكثرة تلقيه على الطهارة، والاعتبار بما فيه، والاتعاظ، واحترامه والعمل به، وبأن يكتب مصحفًا ويجعله وقفًا على المسلمين ليقرؤوا فيه.
وأما مظالم العباد، ففيها أيضا معصية وجناية على حق الله تعالى، فإن الله تعالى نهي عن الظلم للعباد، كما نهى عن الزنا وشرب الخمر والربا، فما يتعلق من ذلك بحق الله تعالى تداركه بالندم والتحسر، وترك مثله في ثاني الحال، والإتيان بالحسنات لتكفر عنه، فتكفير إيذائه للناس بالإحسان إليهم والدعاء لهم، فإن كان المؤذي ميتًا فبالترحم عليه والإحسان إلى ولده وورثته إذا كانت الأذية باللسان أو الضرب، وتكفير غصب أموالهم في حق الله تعالى بالتصدق بما يملكه من الحلال.
وإن كانت الأذية في الأعراض مثل إن اغتابهم ومشى بينهم بالنميمة وقدح فيهم، فتكفير ذلك بالثناء عليهم إن كانوا من أهل الدين والسنة وإظهار ما يعرف فيهم من خصال الخير في أقرانه وأمثاله في المحافل والمجامع. وتكفير قتل النفوس في حق الله تعالى بإعتاق الرقاب لأن ذلك إحياء للعبد، لأن العبد كالمفقود المعدوم فيما يرجع إلى نفسه، كما قال الله عز وجل:{ضرب الله مثلا عبدا مملوكا لا يقدر على شيء}[النحل: ٧٥] فكليته لمولاه وتصرفاته وحركاته وسكناته، فهو موجود لسيده، إذ جميع ذلك