فلا ينفعه الندم، ويستعتب فلا يعتب، ويعتذر فلا يعذر، ويستمهل فلا يمهل، ويستشفع فلا يشفع له إذا كان مفرطًا في حال حياته، ومجازفًا في حال يقظته وفطنته، متبصرًا في أمور معاشه، حريصًا في تحصيل شهواته ولذاته، متابعًا لهواه ولشيطانه، معرضًا عن طاعة ربه وجنابة، منبثطًا عن إجابته، متسارعًا في معصيته وخلافه، فلذلك طال في القيامة حسابه، وعظم ويله ونحيبه، وانقطع ظهره، ونكس رأسه، واشتد خجله وحياؤه، وانقطعت حجته وبرهانه، وأخذت حسناته، وتضاعفت سيئاته، وخسرت صفقته وظهر إفلاسه، واشتد عليه غضب ربه ويأخذه، وأخذته الزبانية إلى ما مهد لنفسه من عذاب ربه وأوبقها فأرداها، فساوى من في النار من قارون وفرعون وهامان، إذ مظالم العباد لا تسامح فيها، ولا ترك، وفي الأثر "إن العبد ليوقف بين يدي الله تعالى وله من الحسنات أمثال الجبال، لو سلمت له لكان من أهل الجنان، فيقوم أصحاب المظالم فيكون قد سب عرض هذا وأخذ مال هذا، وضرب هذا، فتقتص حسناته فلا يبقى له شيء، فتقول الملائكة: يارب فنيت حسناته وبقى طالبون كثيرون، فيقول: ألقوا من سيئاتهم إلى سيئاته، وصكوا له صكًا إلى النار، فيهلك هو بسيئة غيره بطريق القصاص.
فكذلك ينجو المظلوم بحسنة الظالم، إذ ينقل إليه عوضًا مما ظلمه.
وروت عائشة رضي الله عنها عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "الدواوين ثلاثة: ديوان يغفره الله، وديوان لا يغفره الله، وديوان لا يترك منه شيء.
فأما الديوان الذي لا يغفره الله تعالى، فالشرك بالله جل جلاله، قال الله عز وجل:{أنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار}[المائدة: ٧٢].
وأما الديوان الذي يغفره الله فظلم العبد نفسه فيما بينه وبين ربه.
وأما الديوان الذي لا يترك منه شيء، فظلم العباد بعضهم بعضًا".
وعن أبي هريرة رضي الله عنه [عن النبي -صلى الله عليه وسلم-] أنه قال: "أتدرون من المفلس من أمتي يوم القيامة قالوا: يا رسول الله، المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع له، قال النبي-صلى الله عليه وسلم-: المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاته وصيامه، وقد شتم هذا،