ومرضاته، فإن أدركته منيته وهو على ذلك فقد وقع أجره على الله، قال عز وجل:{ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله}[النساء: ١٠٠].
وقد جاء في الصحيحين المتفق عليه، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال:"كان فيمن كان قبلكم رجل قتل تسعة وتسعين نفسًا، فسأل عن أعلم أهل الأرض، فدل على راهب، فأتاه فقال له: أنه قد قتل تسعة وتسعين نفسًا، فهل له من توبة؟ فقال: لا، فقتله، فكمل به مائة، ثم سأل عن أعلم أهل الأرض؟ فدل على رجل عالم، فأتاه فقال له: أنه قد قتل مائة نفس فهل له من توبة؟ قال: نعم، ومن يحول بينك وبين التوبة، انطلق إلى أرض كذا وكذا، فإن بها ناسًا يعبدون الله، فأعبد الله معهم ولا ترجع إلى أرضك، فإنها أرض سوء، فانطلق حتى إذا انتصف الطريق أتاه الموت، فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب، فقال ملائكة الرحمة: جاء تائبًا مقبلًا على الله، وقالت ملائكة العذاب: إنه لم يعمل خيرًا قط، فأتاهم ملك في صورة آدمي، فجعلوه بينهم حكًا، فقال: قيسوا ما بين الأرضيين إلى أيهما كان أدنى فهو له، فقاسوا، فوجدوه وكان أدنى إلى الأرض التي أراد، فقبضته ملائكة الرحمة.
وفي رواية: فكان إلى الرقية الصالحة أقرب بشبر، فجعل من أهلها، وفي رواية: فأوحى الله عز وجل إلى هذه: أن تباعدي، وإلى هذه أن تقاربي وقال: قيسوا بينهما. فوجدوه إلى هذه أقرب بشبر، فغفر له".
فهذا دليل واضح على أن قصده إلى التوبة وسعيه إليها، ونيته لها نافع، ودليل على أنه لا خلاص إلا برجحان ميزان الحسنات ولو بمثقال ذرة، فلا بد للتائب من تكثير الحسنات والنوافل ليرضى بها الخصوم يوم القيامة، وترفع بها الفرائض، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "أكثروا من النوافل ترفع بها القرائض" أو كما قال.
ويعقد أيضًا مع الله تعالى عقدًا صحيحًا مؤكدًا، وعهدًا وثيقًا ألا يعود إلى تلك الذنوب، ولا إلى أمثالها ابدًا، ويستعين على ذلك بالعزلة والصمت وقلة الأكل وقلة النوم، وإحراز قوت حلال، والتورع عن الحرام والشبهة، إما بكسب أو بضاعة في يده من إرث، أو سبب حلال، فإن كان فيما ورثه شبهة أو حرام أخرجه ولم يأكل منه ولم