للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من هذا العالَم، وخلقه بَعْدَ العرش كما دلت عليه النصوص، وهو قول جمهور السلف". (١)

** وهذا هو الراجح -والله أعلم-، أن العرش أولُ المخلوقات.

** الرد على أدلة القول الأول:

ما استدلوا به من قوله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- «إِنَّ أَوَّلَ مَا خَلَقَ اللَّهُ: الْقَلَمُ...»؛

فهذه الأولية لها توجيهانِ: إمّا أن تُحمل على الأولية النِّسْبيّة، أوتحمل على الأولية الظَّرْفِيّة:

أ) أما الأولية النسبية:

فهى ليست أولية مطلَقة، والمعنى: أن القلم ليس هو أول المخلوقات على الإطلاق، بل هو أول المخلوقات بالنسبة إلى ما عَدا العرش.

قال شيخ الإسلام:

"وهو -أي: القلمُ- أولُ ما خلق من هذا العالَم، وخلقه بعد العرش كما دلت عليه النصوص، وهو قول جمهور السلف". (٢)

ب) الأولية الظرفية:

والمعنى: أن الأولية إنما هي راجعة إلى الكتابة لا إلى الخَلْق، فيكون المعنى: أنه عند أَوَّلِ خَلْقِ القلمِ قِيلَ له: «اكتُبْ ما هو كائنٌ...».

-- ولذلك نظائرُ في الشرع واللغة:

أما في الشرع:

فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ -رضي الله عنه- قَالَ: لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- المَدِينَةَ، فَجِئْتُ فِي النَّاسِ لِأَنْظُرَ إِلَيْهِ، فَلَمَّا اسْتَبَنْتُ وَجْهَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَرَفْتُ أَنَّ وَجْهَهُ لَيْسَ بِوَجْهِ كَذَّابٍ، وَكَانَ أَوَّلُ شَيْءٍ تَكَلَّمَ بِهِ: أَنْ قَالَ:

«يَا أَيُّهَا النَّاسُ، أَفْشُوا السَّلَامَ، وَأَطْعِمُوا الطَّعَامَ، وَصَلُّوا وَالنَّاسُ نِيَامٌ، تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ بِسَلَامٍ». (٣)

فقوله -رضي الله عنه-: "وَكَانَ أَوَّلُ شَيْءٍ تَكَلَّمَ بِهِ: أَنْ قَالَ... " أي: أول كلامه بالمدينة، وليس -بالطَّبْعِ- أولَ كلامه على الإطلاق.

* وأما في اللغة:

إذا قال عمرو: "أَوَّلَ ما رأيتُ زيداً أطعمتُه"، فهل معنى ذلك أنه رآه


(١) مجموع الفتاوى (١٨/ ٢١٣).
(٢) مجموع الفتاوى (١٨/ ٢١٣)، وقد نص على مثله ابنُ كثير كما في البداية والنهاية (١/ ١٣). وانظرتوضيح المقاصد وتصحيح القواعد في شرح النونية (١/ ٣٧٧).
(٣) أخرجه أحمد (٢٣٨٣٥) والترمذي (٢٤٨٥)، وانظر صَحِيح الْجَامِع (٧٨٦٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>