للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

للمرة الأولى؟! لا، فهو قد رءاه كثيراً من قبلُ، ولكنه في هذه المرة أولَ ما رآه أطعمَه.

... قال خليل هرَّاس:

" قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «كَتَبَ اللهُ مَقَادِيرَ الْخَلَائِقِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِخَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ»، قَالَ: «وَعَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ» صريحٌ أن التقدير إنما وقعَ بعد خلق العرش، والتقدير وقعَ عند أول خَلْق القلم، بلا مُهْلة؛ لقوله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إنّ أولَ ما خلقَ اللهُ القلمَ، فقال له: اكتُبْ...»

يعني: أنه عند أول خلقه للقلم قال له "اكتب" بدليل الرواية الأخرى:

«أولَ ما خلقَ اللهُ القلمَ قال له: اكتب...» بنَصْب "أوّل" على الظرفية، ونصب "القلم" على المفعولية؛ وأما على رواية رفع "أوّل" و"القلم" فيتعيَّن حملُه على أنه أول المخلوقات من هذا العالَم -أي: عالَم الأقلام- ليتّفقَ الحديثانِ؛ إذْ حديث عبد الله بن عمرو صريحٌ في أن العرش سابق التقدير، والتقدير مقارن لخلق القلم، وفي اللفظ الآخَر: «لما خلق اللهُ القلمَ قال له: اكتبْ، فجرى بما هو كائن إلى يوم القيامة بقُدْرة الله -عز وجل-». (١)

قال ابن القيم:

والنّاسُ مختلفونَ في القلمِ الذي... كُتِبَ القضاءُ بِهِ مِنَ الدَّيّانِ

هَلْ كانَ قَبْلَ العرشِ أو هو قبلُهُ... قَوْلانِ عِنْدَ أبي العلا الهمداني

والحَقُّ أنَّ العرشَ قبلُ لِأَنَّهُ... عندَ الكتابةِ كان ذا أَرْكانِ. (٢)

... تنبيه مهم:

إذا كان الخلاف في أول المخلوقات واقعاً فيما ذكرْنا أعلاهُ؛ فما هو مشتهرٌ بين العامّة من أنّ الرسول -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هو أول خلْق الله تعالى هو مما لا يصح فيه دليل، فلو كان النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أولَ خلقِ الله -تعالى- لكانت هذه مَنْقَبة وفضيلة عظيمة تقتضي أن يُظهرها النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ويحدِّث بها أصحابَه -رضي الله عنهم- من باب قوله تعالى: {وَأَمَّا


(١) الكافية الشافية في الانتصار للفرقة الناجية "شرح النونية" (١/ ١٦٨).
(٢) الكافية الشافية "نونية ابن القيّم" (ص/٦٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>