للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ} [الضحى: ١١]، كما أخبرَهم -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه خَليل الرحمن، وأنه خيرُ وَلَدِ آدمَ -عليه السلام-. (١)

* فإن قيل:

قد صح عن الرَّسُول -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه سئل: متى كُتِبْتَ نَبِيّاً؟

فقال: وآدَمُ بَيْنَ الرُّوحِ وَالْجَسَدِ» (٢)؟

فقد أجاب عن ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية، فقال:

"مُراده -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أن الله كتب نُبوته وأظهرَها وذكرَ اسمَه، ولهذا جعلَ ذلك في ذلك الوقت بعدَ خلْقِ جسد آدم وقبلَ


(١) أما الحديث المشهور على ألسنة الصوفية وفي رسائلهم «أولُ ما خلقَ اللهُ هو نُورُ نبيِّكَ يا جابرُ...»
فهو حديث موضوع، لا أصل له في شيء من كتب الحديث، لم يثبت له سند متصل في كتب الحديث، حتى كُتب الموضوعات، وإنما هو مشتهر على ألسنة الصوفية ونحوِهم.
قال السيوطي في كتابه الحاوي للفتاوى (١/ ٢٢٣): "هو حديث ليس له إسناد يعتمد عليه". ا. هـ.
وقال محمد زياد التكلة في كتابه "مجموع في كشف حقيقة الجزء المفقود من مصنف عبد الرزاق": "وهذا حديث باطل، لا أصل له. لعنَ الله واضعه! وفيه ما هو مصادم لعدة نصوص صريحة في القرآن الكريم والسنة الصحيحة في الخلْق وغيره، وليس في شيء من كتب الإسلام مُسنَداً". =
= كذلك يقال: ما ذُكر في الحديث السابق أن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مخلوق من نور، فهذا كلام باطل؛ فقد صح عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: خُلِقَتِ الْمَلَائِكَةُ مِنْ نُورٍ، وَخُلِقَ الْجَانُّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ، وَخُلِقَ آدَمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ مِمَّا وُصِفَ لَكُمْ ففي ذلك إشارة أن الملائكة فحسْب هم الذين خُلقوا من نور، دون آدم وبنيه.
* وكذلك هو خبر باطل؛ لمعارضته لبشرية النبي -صلى الله عليه وسلم-، إذْ من المقطوع به أنه -صلى الله عليه وسلم- من بني آدم، وآدم خُلق من طين لا من نور.
وانظر خصائص المصطفى بين الغلوّ والجَفا (ص/٨٣ - ٨٩)، وسلسلة الأحاديث الصحيحة (٤٥٨).
وكان مبتدأ أمر هذا القول: عند متقدمي الإسماعيلية الباطنية، ففي كتبهم القديمة الكثير من الأحاديث المكذوبة في أن النبي-صلى الله عليه وسلم- وعلياً -رضي الله عنه- قد خُلقا من نور الله.
انظر أصول الإسماعيلية للدكتور سليمان بن عبد الله السلومي (٢/ ٤٥٩).
*أما كونه نوراً بما جاء به من الهدى فهذا مما لا شك فيه، قال تعالى: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ} [المائدة: ١٥]، وقال تعالى: {وَدَاعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُنِيراً} [الأحزاب: ٤٦].
(٢) أخرجه أحمد (٢٠٥٩٦) وصححه الألباني في صحيح الجامع (٤٥٨١).

<<  <  ج: ص:  >  >>