للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحشوش، والأقذار؛ لأنه قادر على الأشياء مستولٍ عليها.. وإذا كان قادراً على الأشياء كلها، ولم يجز عند أحد من المسلمين أن يقول إن الله -تعالى- مستوٍ على الحشوش والأخلية، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً، لم يجز أن يكون الاستواء على العرش الاستيلاء الذي هو عام في الأشياء كلها، ووجب أن يكون معنى الاستواء يختص بالعرش دون الأشياء كلها. (١)

٦ - قال تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} (الحديد: ٤)

فذكر وقوع الاستواء بعد خلق السماوات والأرض، فلو كان الاستواء هنا بمعنى الاستيلاء أو القهر، ونحو ذلك، على ما حرَّفته الجهمية والمعتزلة، لكان الله -تعالى- غير مستولٍ على العرش ولا قاهر له قبل خلق السموات والأرض، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً. (٢)

٥ - تفسير الاستواء بالاستيلاء يقتضي وجود منازعة بين الله - تعالى- وبين غيره؛ فإن الاستيلاء لا يأتى إلا بعد مغالبة، والله -عزوجل - لا ينازعه أحد في ملكه.

قال ابن كثير:

ولا أراد الله -عز وجل- باستوائه على عرشه استيلاءه عليه، تعالى الله عن قول الجهمية علواً كبيراً؛

فإنه إنما يقال استوى على الشئ إذ كان ذلك الشئ عاصياً عليه قبل استيلائه عليه، كاستيلاء الملك على المدينة بعد عصيانها عليه، وعرش الرب لم يكن ممتنعاً عليه نفساً واحداً، حتى يقال استوى عليه. (٣) * قال داود بن علي: كنا عند ابن الأعرابي، فأتاه رجل، فقال:

يا أبا عبد الله، معنى قوله تعالى: (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) استولى، فقال:

اسكت، العرب لا تقول للرجل استولى على الشيء حتى يكون له فيه مضاد، فأيهما غلب قيل: استولى، والله


(١) الإبانة عن أصول الديانة (٢/ ٩٩٨)
(٢) كتاب العرش للذهبي (٢/ ١٤٢)
(٣) البداية والنهاية (٩/ ٢٦٢)

<<  <  ج: ص:  >  >>