للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

غيرِه، لا أَصْلِ التقدير؛ فإنّ ذلك أزليٌّ لا أَوَّلَ له". (١)

قال ابن القيم:

"وأجمع الصحابة والتابعون وجميع أهل السنة والحديث أنّ كل كائن إلى يوم القيامة فهو مكتوب في أُمِّ الكتاب". (٢)

** وهنا سؤال: هل هذه المرتبة من مراتب القدر -التي هى الكتابة- تَقْبَلُ التغيير؟

الجواب:

أما المكتوب في أُمّ الكتاب -وهو اللوح المحفوظ- فهذا لا تتغير الكتابة الموجودة فيه،

وأما الكتابة التي هي في أيدي الملائكة من الصُّحُف فإنّ الله -تعالى- يمحو منها ما يشاء ويُثْبِتُ، وهذا معنى قوله -تعالى-: {يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ} [الرعد: ٣٩]، والمراد بأم الكتابِ: اللوح المحفوظ، فاللوح المحفوظ لا يتغير شيء مما كُتِبَ فيه، وأما ما في الصحف التي مع الملائكة فهذه التي يقع فيها المَحْوُ والتغيير.

والملائكة يكتبون ما يؤمرون به من آجالٍ وأرزاقٍ، كما ورد في قوله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:

«إِنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ فِي أَرْبَعِينَ يَوْماً، ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ،

ثُمَّ يُرْسِلُ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- إِلَيْهِ الْمَلَكَ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ: عَمَلُهُ، وَأَجَلُهُ، وَرِزْقُهُ، وَشَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ» (٣)؛ فالمحو والإثبات بالنسبة لِما في علم المَلَك؛ وما في أم الكتاب هو الذي في علم الله -تعالى- فلا مَحْوَ فيه البَتَّةَ، ويقال له: القَضاء المُبْرَمُ، ويقال للأوّل: القضاء المُعَلَّق. (٤)

... وعليه فالقضاءُ نوعانِ:

١) قضاءٌ مُبْرَمٌ:

وهو القدر الأزليّ، وهو لا يتغير، كما قال -تعالى-: {مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ


(١) المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج (١٦/ ٢٠٣) وتحفة الأحوذي (٥/ ٤٤٤) وفيض القدير شرح الجامع الصغير (٤/ ٥١٠).
(٢) شفاء العليل (ص/٤١).
(٣) متفق عليه.
(٤) فتح الباري (١٠/ ٤١٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>