للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَدَيَّ} [ق: ٢٩]، وقال الرسول -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأُمّ حَبيبةَ -رضي الله عنها-: «قَدْ سَأَلْتِ اللهَ لِآجَالٍ مَضْرُوبَةٍ، وَأَيَّامٍ مَعْدُودَةٍ، وَأَرْزَاقٍ مَقْسُومَةٍ، لَنْ يُعَجِّلَ شَيْئاً قَبْلَ حِلِّهِ، أَوْ يُؤَخِّرَ شَيْئاً عَنْ حِلِّهِ» (١).

قال النوويّ:

"إن الآجال والأرزاق مقدَّرة لا تتغير عمّا قدَّره الله -تعالى- وعَلِمَه في الأزل، فيَستحيلُ زيادتُها ونَقْصُها -حقيقةً- عن ذلك". (٢)

٢) قضاء معلَّق:

وهو الذي في الصُّحُف التي في أيدي الملائكة، فإنه يقال: اكْتُبوا عُمُرَ فُلانٍ إنْ لم يتصدَّقْ: كذا، وإنْ تصدَّقَ فهو كذا، وفي عِلم الله وقدره الأزليّ أنه سيتصدق أو لا يتصدق.

فهذا النوع من القدر يَنفع فيه الدعاء والصدقة؛ لأنه معلَّق عليهما، وهو المراد بقوله -تعالى-: {... لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ * يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ} [الرعد: ٣٨ - ٣٩]؛ وهو معنى قوله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:

««لَا يَرُدُّ القَضَاءَ إِلَّا الدُّعَاءُ، وَلَا يَزِيدُ فِي العُمْرِ إِلَّا البِرُّ». (٣)


(١) أخرجه مسلم (٢٦٦٣).
(٢) المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج (١٦/ ٢١٣).
(٣) شفاء الضرر بفهم القضاء والقدر (١/ ٣).
وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية سؤالاً طويلاً، وفيه: هل شُرع في الدعاء أن يقول: اللهم إن كنت كتبتني كذا فامحني واكتبني كذا، فإنك قلتَ: = = {يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ}؟ وهل صح أن عمر كان يدعو بمثل هذا؟ فكان مما أجاب به -رحمه الله-:
"والجواب المحقَّق: أن الله يكتب للعبد أجلاً في صحف الملائكة، فإذا وصلَ رحمَه زاد في ذلك المكتوب، وإنْ عملَ ما يُوجِب النقصَ نقصَ من ذلك المكتوب... وهذا معنى ما رُوي عن عمر أنه قال:
"اللهم إن كنت كتبتني شقياً فامحني واكتبني سعيداً، فإنك تمحو ما تشاء وتثبت"ـ والله سبحانه عالم بما كان، وما يكون، وما لم يكن لو كان كيف كان يكون، فهو يعلم ما كتبه له، وما يَزيده إياه بعد ذلك، والملائكة لا علم لهم إلا ما علّمهم الله، والله يعلم الأشياء قبل كونها وبعد كونها، فلهذا قال العلماء: إنّ المحو والإثبات في صحف الملائكة، وأما علم الله سبحانه فلا يختلف، ولا يبدو له ما لم يكن عالماً به، فلا محو فيه ولا إثبات، وأما اللوح المحفوظ فهل فيه محو وإثبات؟ على قولين، والله -سبحانه وتعالى- أعلم". ا. هـ. مجموع الفتاوى (١٤/ ٤٩١).
وقال ابن القيم:
"المقدور قدر بأسباب، ومن أسبابه: الدعاء، فلم يقدَّر مجرَّداً عن سببه، ولكن قُدر بسببه، فمتى أتى العبد بالسبب وقعَ المقدورُ، ومتى لم يأت بالسبب انتفى المقدور، وهكذا، كما قدر الشبع والرِّيّ بالأكل والشرب، وقدر الولد بالوطء، وقدر حصول الزرع بالبذر... وحينئذ فالدعاء من أقوى الأسباب، فإذا قدر وقوع المدعوّ به لم يصحَّ أن يقال: لا فائدة في الدعاء، كما لا يقال: لا فائدة في الأكل والشرب". اهـ. الجواب الكافي (ص/١٧).
*وقال الغزالي: "فإن قيل: ما فائدة الدعاء مع أن القضاء لا مَرَدَّ له؟
فاعلم أنّ مِن جملة القضاء: رد البلاء بالدعاء، فإن الدعاء سبب رد البلاء ووجود الرحمة، كما أن البذر سبب لخروج النبات من الأرض، وكما أن الترس يدفع السهم؛ كذلك الدعاء يرد البلاء". اهـ. وانظر كفاية الحاجة في شرح سنن ابن ماجه للسندي (١/ ٤٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>