للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

* قلت:

وعلى ذلك يُحْمَلُ ما وردَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- مرفوعاً:

«لَمَّا خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ مَسَحَ ظَهْرَهُ، فَسَقَطَ مِنْ ظَهْرِهِ كُلُّ نَسَمَةٍ هُوَ خَالِقُهَا مِنْ ذُرِّيَّتِهِ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ، وَجَعَلَ بَيْنَ عَيْنَيْ كُلِّ إِنْسَانٍ مِنْهُمْ وَبِيصاً مِنْ نُورٍ، ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى آدَمَ، فَقَالَ: أَيْ رَبِّ، مَنْ هَؤُلَاءِ؟

قَالَ: هَؤُلَاءِ ذُرِّيَّتُكَ، فَرَأَى رَجُلاً مِنْهُمْ فَأَعْجَبَهُ وَبِيصُ مَا بَيْنَ عَيْنَيْهِ، فَقَالَ: أَيْ رَبِّ، مَنْ هَذَا؟ فَقَالَ: هَذَا رَجُلٌ مِنْ آخِرِ الْأُمَمِ مِنْ ذُرِّيَّتِكَ، يُقَالُ لَهُ: دَاوُدُ، فَقَالَ: رَبِّ كَمْ جَعَلْتَ عُمْرَهُ؟

قَالَ: سِتِّينَ سَنَةً، قَالَ: أَيْ رَبِّ، زِدْهُ مِنْ عُمْرِي أَرْبَعِينَ سَنَةً، فَلَمَّا قُضِيَ عُمْرُ آدَمَ جَاءَهُ مَلَكُ الْمَوْتِ، فَقَالَ: أَوَلَمْ يَبْقَ مِنْ عُمْرِي أَرْبَعُونَ سَنَةً؟ ...» (١)، وكذلك قوله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

«مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ، وَيُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ» من أحب أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أثره فليصل رحَمَه» (٢).


(١) أخرجه أحمد (٢٢٧٠) والترمذي (٣٣٦٨)، قال: "هذا حديث حسن صحيح"، وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي.
(٢) أخرجه مسلم (٢٥٥٧).
قال الإمام النووي في شرح مسلم (٨/ ٣٥٦): "قوله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
«من أحب أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أثره فليصل رحمه»:
"يُنسأ": مهموز، أي: يؤخَّر، و"الأَثَر": الأجل؛ لأنه تابع للحياة في أثرها، وبسط الرزق: توسيعه وكثرته، وقيل: البركة فيه؛ وأما التأخير في الأجل ففيه سؤال مشهور، وهو أن الآجال والأرزاق مقدرة لا تزيد ولا تنقص، {فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ} [الأعراف: ٣٤]،
وأجاب العلماء بأجوبةٍ، الصحيح منها: =
=الأول:
أن هذه الزيادة: بالبركة في عمره، والتوفيق للطاعات، وعمارة أوقاته بما ينفعه في الآخرة، وصيانتها من الضياع في غير ذلك.
الثاني:
أنه بالنسبة إلى ما يَظهر للملائكة وفي اللوح المحفوظ ونحو ذلك، فيَظهر لهم في اللوح "أن عمره ستون سنة، إلا إن يصل رحمه، فإنْ وصلَها زيد له أربعون"، وقد علم -سبحانه وتعالى- ما سيقع له من ذلك، وهو في معنى قوله تعالى: {يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ} [الرعد: ٣٩]، فيه النسبة إلى علم الله تعالى وما سبق به قدرُه، ولا زيادة، بل هي مستحيلة، وبالنسبة إلى ما ظهر للمخلوقينَ تُتصور الزيادة، وهو مراد الحديث، والله أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>