للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

- تعالى- من الأشاعرة لم يقولوا به اتّباعًا للنص- كما هي طريقة الراسخين في العلم- بل قالوا به لعجْزالعقل- زَعَمُوا- عن تأويله، فصار المقياس عند القوم: "وما آتاكُمُ العقلُ فخُذوه... "! وكذبوا في تأسيسهم، وتناقضوا في تأصيلهم:

١ - أمّا الكذب في التأسيس:

فلِأنّ العقلَ الصحيح لا يُناقض النصَّ الصحيح؛ وإنّما تقع المناقضة حينما تُعارَض النصوص بالعقول التي يجرّها الهوى، ويُصادَم الوحي بالمناهج الأرضية المحْدَثة تحتَ دعوى التنزيه والتقديس، وهُنا يصدُق فيهم قوله تعالى: {إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى} [النجم: ٢٣].

٢ - وأمّا التناقض في التأصيل:

فيقال: إذا أثبتّم صفة الوجه لله- تعالى- بدعوى أنه لا يمكن للعقل تأويلُها على غير ظاهرها، فكذا يقال في سائر الصفات، فالقول في بعض الصفات كالقول في سائر الصفات، وأمّا أن تُثبتوا الشيء وتَنْفُوا نَظيرَه فهذا هو عينُ التناقض.

* وأما الرد على القائلين: إنّ الوجه هو الذات:

وقد استدلوا بقوله تعالى: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} [القصص: ٨٨]، وقالوا: إذْ لا خُصوصَ للوجه في البقاء وعدمِ الهلاك. (١)

* فالردُّ أن يقال:

الاستدلال بهذه الآية على أن الوجه هو الذات استدلالٌ مردود؛ لأنه لو لم يكن لله- تعالى- وجهٌ على الحقيقة لَما جازَ استعمالُ هذا اللفظ في معنى الذات.


(١) وهذه الآية قد شذَّ فيها طائفتان:
(أ) البيانيّة: أتباع بيان بن سمعانَ، الذي كان يقول: إنّ معبوده نور، صورته صورة إنسان، وله أعضاء كأعضاء الإنسان، وإن جميع أعضائه تَفنى إلا الوجهَ.
(ب) الأشاعرة: الذين فسَّروا الوجه بالذات، فقالوا: "كلُّ شيءٍ هالكٌ إلا ذاتَه".
وانظر التبصير في الدين (ص/ ٣٢٢)، والفرْق بين الفرَق (ص/ ١٩٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>