للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يقول محمد خليل هرَّاس:

"اللفظ الموضوع لمعنًى لا يمكن أن يستعمل في معنًى آخرَ إلا إذا كان المعنى الأصلي ثابتًا للموصوف، حتى يمكن للذهن أن ينتقل من الملزوم إلى لازمه". (١)

* والتوجيه الثاني للآية:

{كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاّ وَجْهَهُ} أي: إلا ما أُريدَ به وجهُه؛ ذلك لأن سياق الآية يدل على ذلك: {وَلا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لا إِلَهَ إِلاّ هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاّ وَجْهَهُ}، كأنه يقول: لا تَدْعُ مع الله إلهًا آخرَ فتُشركَ به؛ لأنّ عملك وإشراكك هالكٌ- أي: ضائعٌ سُدًى- إلا ما أخلصتَه لوجه الله، فإنه يَبقى؛ لأن العمل الصالح له ثوابٌ باقٍ لا يَفنى في جنات النعيم. (٢)

*ثم يقال:

تَزعُمون أنّ إثبات الوجه يَلزم منه المُشابَهة والتجسيم وما شابَهَ ذلك؛ وعليهِ فقدْ فسّرتُمُ النصوص الواردة في ذلك بأن الوجه هو الذات، فيقال جَرْيًا على تأصيلكم: إنّ إثبات الذات لله- عز وجل- يَلزم منه مشابهةُ الخالق للمخلوق، فإنْ قلتم: ذاتُه ليست كذات البشر، قيل:

يَلزمكم كذلك أن تثبتوا لله- تعالى- وجهًا ليس كوجْه البشر، فالقول في بعض الصفات كالقول في سائر الصفات.

فالقول بنفي الصفات عن الذات هو- في الحقيقة- فرارٌ ممّا يمكن تصوُّره إلى ما يَستحيل تصوُّره عقلًا وشرعًا.

*ثم يقال:

قولكم بإثبات الذات لله- عز وجل- دونَ إثبات الصفات- التي منها: الوجهُ- هو قولٌ في حقيقته يعود عليكم بالبُطلان؛ فالقول بالذات المجرَّدة عن الصفات هو فرْضٌ ذِهني تجريدي لا حقيقةَ له، فإنّ الذات المجرَّدة عن الصفات لا حقيقة لها، ونفْي الصفات يستلزم نفيَ الذات.

فإن قيل:

استعمال الوجه بمعنى الذات مشهور في اللغة، يقال: وَجْهُ هذا الثوبِ


(١) شرح العقيدة الواسطية (ص/ ١١٤).
(٢) وانظر شرح الواسطية لابن عثيمين (ص/ ٢٨٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>