للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَداً إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [الكهف: ٢٣]، وقال الله -تعالى-: {وَلَوْ شَاء اللهُ مَا اقْتَتَلُواْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ} [البقرة: ٢٥٣]، وقال اللهُ -عزَّ وجلَّ-: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [يس: ٨٢]، وقال: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [التكوير: ٢٩].

*ومن السنة:

عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ-رضى الله عنهما- أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا شَاءَ اللهُ، وَشِئْتَ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

" أَجَعَلْتَنِي وَاللهَ عَدْلًا، بَلْ مَا شَاءَ اللهُ وَحْدَهُ ". (١)

ومذهب أهل السنة والجماعة:

أن الله -عز وجل- مُرِيدٌ لجميع أعمال العباد خَيْرِها وشَرِّها، ولم يؤمن أحدٌ إلا بمشيئته، {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً...} [هود: ١١٨]، ولو شاء ألّا يُعْصَى لَما خَلَقَ إبليسَ؛ فكُفْر الكافرينَ، وإيمان المؤمنينَ بقضائه -سبحانه وتعالى- وقدرِه وإرادتِه ومشيئتِه، أراد كلَّ ذلك، وشاءه، وقَضاهُ. (٢)

وأهل السُّنَّة والجماعة وسَطٌ في هذه المرتبة بين الجبرية الغُلاة في إثبات مشيئة الرب، والقدَرية النُّفاة لمشيئته عز وجل.

فإنَّ أهل السنة والجماعة أثبتوا للرَّبِّ مشيئةً عامَّة، وأثبتوا للعبد مشيئةً، وجعلوا مشيئةَ العبد تابعةً لمشيئة الله تعالى، كما قال الله -عزَّ وجلَّ-: {لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ * وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [التكوير: ٢٨ - ٢٩]، فلا يقع في مُلك الله ما لَم يشأْه الله -تعالى-. وبهذا يُجابُ عن السؤال الذي يتكرَّر طرحُه، وهو: هل العبدُ مُسَيَّرٌ أو مُخيَّر؟

فلا يُقال: إنَّه مسَيَّرٌ بإطلاقٍ، ولا مُخيَّرٌ بإطلاقٍ، بل يُقال:

إنَّه مُخيَّرٌ باعتبار أنَّ له مشيئةً وإرادةً، وأعماله كسبٌ له، يُثاب على حَسَنها ويُعاقَب على سيِّئها، وهو مسيَّرٌ باعتبار أنَّه لا يحصُل منه شيءٌ خارجٌ عن مشيئة الله وإرادته وخلْقه وإيجاده.


(١) أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " (٧٨٧) وأحمد (١٨٣٩) وانظر الصحيحة (ح: ١٣٩)
(٢) عقيدة السلفِ وأصحابِ الحديث (ص/٢٨٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>