للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يقع في فعل الله تعالى، ويقع في فعل العبد، ولكنَّ الفرق كبير.

كما في قول زهير بن أبي سلمى:

وَلَأَنْتَ تَفْرِي مَا خَلَقْتَ... وَبَعْضُ الْقَوْمِ يَخْلُقُ ثُمَّ لَا يَفْرِي.

والمعنى: أنت تنفذ ما خلقت أي: قدرت بخلاف غيرك فإنه لا يستطيع كل ما يريد، فالخلق التقدير، والفري التنفيذ.

وكذلك يقع معنى "الخلق " على المعنى الثاني في فعل العبد، كما في قول إبراهيم -عليه السلام- لقومه: {إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَاناً وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً...} [العنكبوت: ١٧]، أَي تقدرونه وتهيئونه، فسمّى نَحْتَهم للأصنام "خَلقاً".

كذلك ما قد وردَ من فعل عيسي عليه السلام: {أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللَّهِ...} [آل عمران: ٤٩]

فسمَّى فعله حين حوَّل الطين إلى هيئة الطير سمَّاه خلقاً.

* ومن السنة:

ما ورد في قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

«إِنَّ أَصْحَابَ هَذِهِ الصُّوَرِيَوْمَ القِيَامَةِ يُعَذَّبُونَ، فَيُقَالُ لَهُمْ أَحْيُوا مَا خَلَقْتُمْ». (١)

ومعلوم أنَّ المصوِّر لم يوجِد شيئاً من العدم، إنما حوَّلَ الطينَ أو الحَجَرَ إلى صورة إنسان أو طير.

وعلى هذا المعنى الثاني يُحمل قوله تعالى {فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ}، فيكون المعنى المراد: " تبارك الله أحسن المقدِّرين ".

ومما يؤيد ذلك:

أن الله تعالى إنما ذكر قوله عزوجل (فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ (١٤)) (المؤمنون: ١٤)، وقوله عزوجل (فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ (٢٣)) (المرسلات: ٢٣)، بعد ذكره لمراحل خلق الإنسان في الموضعين، فتامل.

قال مجاهد في قوله تعالى {فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} [المؤمنون: ١٤] قال:

" يصنعون ويصنع الله، والله خير الصانعين ". (٢)

قال القرطبي:

"يقال لمن صنعَ شيئاً: خَلَقَهُ، ولا تُنفى اللفظة عَنِ البَشَرِ في معنى


(١) متفق عليه.
(٢) جامع البيان عن تأويل آي القرآن (١٧/ ٢٥)

<<  <  ج: ص:  >  >>