للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الصُّنْع؛ وإنما هي منفيّة بمعنى الاختراع والإيجاد من العدم. (١)

قال ابن الجوزي:

الخلق يكون بمعنى الإِيجاد، ولا موجِد سوى الله، ويكون بمعنى التقدير،

فهذا المراد في قوله: " أَحْسَنُ الْخالِقِينَ "، أن بني آدم قد يصوِّرون ويقدِّرون ويصنعون الشيء، فالله -تعالى- خير المصوِّرين والمقدِّرين، وقال الأخفش: الخالقون ها هنا هم الصانعون، فاللهخير الخالقين". (٢)

* المُنازِعونَ في مَراتِب القدر:

أولاً القدرية:

فرقة القدرية هي أولُ من نازعَ في هذه القضية العَقَدِيّة، حيث قامت أصولُهم على نفي خلق الله لأفعال العباد من خير وشر وطاعة ومعصية، وأن الله -تعالى- لم يقدِّرْها ولم يشأْها ولم يخلُقْها، ويزعمون أن الله -تعالى- أمرَ ونهى وهو لا يعلم مَن يطيعه ولا مَن يعصيه، وأن الأمر أُنُفٌ، أي: مستأنَف، أي: لم يَسْبِقْ به قَدَرٌ ولا عِلمٌ من الله -تعالى-، وإنما يَعلمه بعد وقوعه.

** والقدرية قسمان: غلاة، ومتوسِّطونَ:

أ) الغلاة المتقدِّمون:

أنكروا المرتبتين الأُولَيَيْنِ (علم الله، وكتابته)، وهذا القول هو أولُ ما حدثَ في الإسلام بعد انقراض عصر الخلفاء الراشدين، وكان أول من أظهرَ ذلك بالبَصْرَةِ معبد الجهنيّ، وأخذَ عنه هذا المذهبَ غيلان الدمشقيّ؛ فردَّ عليه بقية الصحابة، كعبد الله بن عمر وعبد الله بن عباس، وواثلة بن الأسقع، وغيرهم -رضي الله عنهم-.

وهؤلاء الغلاة المتقدِّمون الذين أنكروا علم الله وكتابته لأفعال العباد هم الذين كفَّرَهم الأئمة، كمالك والشافعي وأحمد، وقال فيهم الإمام الشافعي:

"ناظِروا القدريةَ بالعلم، فإنْ أقرُّوا به خُصِموا، وإنْ أنكرُوه كفروا"، وقال مثلَه عمرُ بن عبد العَزيز. (٣)


(١) الجامع لأحكام القرآن (١٢/ ١١٠).
(٢) زاد المسير في علم التفسير (٣/ ٢٥٨)
(٣) يقال للقدري: أتؤمن أنَّ الله يعلم ما كَانَ وما سيكون إِلَى قيام الساعة، ويَعلم من سيطيعه ومن سيعصيه؟ فإذا أقرَّ بهذا خُصِمَ، حينئذ يقال له: مَن علمَ ذلك أليس هو الذي خلقَه؟! أليس هو الذي أوجدَه؟!
أليس مبنياً عَلَى العلم، والعلم مقتضاه الحكمة والعدل والرحمة؟! وإذا أنكروا علم الله كفروا؛ لأنهم أنكروا ما هو معلوم من كتاب الله وعند جميع الْمُسْلِمِينَ بالضرورة.
قال عبد الله بن أحمد بن حنبل: سمعت أبي -رحمه الله- وسأله عليّ بن الجهم عن: مَن قال بالقدر يكون كافراً؟ قال: "إذا جحدَ العلمَ، إذا قال: "إن الله -عز وجل- لم يكن عالماً حتى خلق علماً فعَلِم"، فجحدَ علم الله -عز وجل-، فهو كافر".
وانظر السنة لعبد الله بن أحمد (رقم: ٨٣٥)، والرد على الجهمية للدارمي (ص/١٠٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>