للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد انعقدَ الإجماع على تكفير مَن جَحَدَ أن الله - تعالى - عالمٌ، أو غيرَ ذلك من صفاته الذاتية.

قال أبو بكر، قال: سمعت أبا عبد الله يقول: إن الله -عز وجل- لا يعلم الشيء حتى يكون، استتيب، فإن تاب وإلا قتل. وفي رواية قال: " إذا جحد كفر". (١)

قال ابن القيم:

وسلف القدرية كانوا ينكرون العلم، وهم الذين اتفق سلف الأمة على تكفيرهم. (٢)

ب) المتأخرون:

آمنوا بمرتبتَي العلم والكتابة، ولكن جَحَدوا عُموم المَرتبتينِ الأُخْرَيَيْنِ، فأقروا علم الله المتقدِّمَ، وكتابتَه السابقةَ، وأنكروا عموم المشيئة والخَلْق؛ فخالَفُوا السلف في زعمهم أن أفعال العباد مَقْدُورةٌ لهم وواقعةٌ منهم على جِهة الاستقلال، وقالوا بعموم مشيئة الله وخلقه، إلا في باب أفعال العباد؛ فقالوا:

إن الله على ما يشاء قدير، ولَمّا كانت أفعال العباد ليست مِمّا شاءه الله - تعالى - كانت لَيْسَتْ داخلةً تَحْتَ قُدرته.

وهذا المذهب- مع كونه مذهباً باطلاً أيضاً- هو أخفُّ من المذهب الأول.

عن ابْنِ عُمَرَ -رضِي الله عنْهُما - عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ:

الْقَدَرِيَّةُ مَجُوسُ هَذِهِ الْأُمَّةِ" (٣)


(١) السنة للخلال (٨٧٢ - ٨٧٠) بأسانيد صحيحة.
(٢) انظر شفاء العليل (ص/٢٨) وأنوار البروق (٤/ ١٨٠)
ومن ضلال المعتزلة في نفي القدر: ما ورد عن عمرو بن عبيد في قوله: "إذا كان {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ} في اللوح المحفوظ، فما لله على ابن آدم حجةٌ، وما على الوليد من لومٍ"!، يعني: في قوله: {ذرني ومن خلقت وحيداً} [المدثر: ١١].
انظر تاريخ بغداد (١٢/ ١٧١)، وشرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة (١٣٦٩).
(٣) رواه أبو داود (٤٦٩١) وابن أبي عاصم في "السنة" (٢٦٨) والحاكم (٢٨٦)، وصححه ابن القطان في "بيان الوهم والإيهام" (٥/ ٤٤٦)، قال الدارقطني في ": "والصحيح الموقوف عن ابن عمر". (العلل"٤/ ٩٨)، وحسنه الألباني في "صحيح أبي داود". = =وإنما سموا قدرية؛ لأنهم أثبتوا القدر لأنفسهم، ونفوا عن الله -تعالى- خلق أفعالهم، فصاروا بإضافة بعض الخلق إليه دون بعض مضاهين للمجوس في قولهم بالأصلين النور والظلمة، وأن الخير من فعل النور والشر من فعل الظلمة.
قال أبو المظفر الأسفراييني:
وإنما شبههم صلى الله عليه وسلم بالمجوس لأن المجوس ينسبون بعض التقدير إلى يزدان وبعضه إلى أهرمن، فأثبتوا تقديراً في مقابلة تقدير الباري جل جلاله، وقالوا بجواز حصول أحد التقديرين دون الآخر، فكذلك القدرية أثبتوا تقديرين: " أحدهما للرب تبارك وتعالى، والآخر للعبد". وانظر "التبصير في الدين " (ص/٢٨٩)

<<  <  ج: ص:  >  >>