للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومع هذا فإن إمام الأئمة ابنَ خزيمة -رحمه الله- عَرَضَ له هذا القول، ولم يكن تجهُّماً من ابن خزيمة، ولا يجوز أن يسمى جهمياً، ولا أن يقال: إنّ حُكمه حُكم الجهمية، ولا أن يقال: إنه يُذم بما ذم السلفُ به الجهميةَ... إلى أمثال ذلك.

وإنْ كان قول ابن خزيمة -رحمه الله- ليس من أقوال أهل السنة وإنما دخلَ عليه من أقوال أهل البدع، فإنّ أهل السنة قولُهم في هذا معروف محفوظ. ** وقد اعتذر له الإمام الذهبيّ، فقال: "ولابنِ خزيمةَ عظمةٌ في النفوس، وجلالةٌ في القلوب؛ لِعلمه ودينه واتباعه السنةَ. وكتابه في (التوحيد) مجلَّد كبير، وقد تأوَّلَ في ذلك حديثَ الصورة؛ فلْيَعْذُر مَن تأوَّلَ بعضَ الصفات، وأما السلفُ فما خاضوا في التأويل، بل آمنوا وكَفُّوا، وفوَّضوا عِلْمَ ذلك إلى الله ورسوله.

ولو أنّ كل مَن أخطأ في اجتهاده -مع صحة إيمانه، وتوخِّيه لاتّباع الحق- أهدرناه وبدَّعناه، لَقَلَّ مَن يسلَم من الأئمة معنا. رَحِمَ الله الجميع بِمَنِّهِ وكَرَمه! ". (١)

** وقد نقل شيخ الإسلام عن الحافظ أبي موسى المديني فيما جَمَعَه من مناقب الإمام الملقَّب بقِوام السّنّة أبي القاسم إسماعيل بن محمد التَّيْمِيّ، صاحب كتاب [الترغيب والترهيب]، قال:

"سمعته يقول:

"أخطأ محمد بن إسحاق بن خزيمة في حديث الصورة، ولا يُطعن عليه بذلك، بل لا يؤخذُ عنه فحسْب.

قال أبو موسى: أشار بذلك إلى أنه قَلَّ مِن إمامٍ إلا وله زَلّةٌ، فإذا تُرك ذلك الإمامُ لأجل زَلّته تُرك الكثير من الأئمة، وهذا لا ينبغي أن يُفعلَ". اهـ. (٢)

قال الشاطبيّ:

"زلة العالم لا يصح اعتمادها، ولا الأخذُ بها تقليداً له؛ وذلك لأنها موضوعة على المخالَفة للشرع، كما أنه لا ينبغي أن يُنسب صاحبُها إلى التقصير، ولا أن يُشَنَّعَ عليه بها، ولا يُنتقصُ من أجْلها، أو يُعتقدُ فيه الإقدام على المخالفة بَحْتاً؛ فإنّ


(١) [سير أعلام النبلاء] (١٤/ ٣٧٤)
(٢) [بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بِدَعهم الكلامية] (٦/ ٤١٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>