للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَلِيمٌ (٢٩)} [البقرة: ٢٩].

وهذا الذي يذكره كثير من أهل الكلام، الجهمية ونحوهم في الابتداء، نظير ما يذكرونه في الانتهاء، من أنه تفنى أجسام العالم حتى الجنة والنار، أو الحركات، أو ينكرون وجود النفس، وأن لها نعيمًا وعذابًا، ويقولون: إن ذلك إنما هو للبدن بلا نفس، ويزعمون أن الروح عرَض من أعراض البدن، ونحو ذلك من المقالات التي خالفوا فيها الكتاب والسنة، إذ كانوا فيها هم والفلاسفة على طرفي نقيض، وهذا الذي ابتدعه المتكلمون باطل باتفاق سلف الأمة وأئمتها. (١)

* ومما يُثبت أنّ شيخ الإسلام ابن تيمية لا يقول بفناء نار الكافرين:

أنّ النصوص التي يستدل بها القائلون إنّ أبا العباس ابنَ تيمية يرى فناء النار- هي نصوصٌ مجملة، غير صريحة في ذلك،

أمّا النصوص التي يستدل بها القائلون إنه يرى أبدية النار- فهي صريحة في أنه يرى أبديّتها.

ومن القواعد المقرّرة عند أهل العلم أن "المجمل مِمّا في نصوص الكتاب والسنة يُرَدُّ إلى المُحْكَم"، فلا يَتعلق بالمتشابِه والمُجمل ويَتركُ المُحْكَمَ والمُبينَ إلا أهلُ الزَّيغ والضلال.

* ومما يؤيِّد ذلك:

أن ابن حزم لما ذكر في كتابه " مراتب الإجماع " هذه المسألة فقال:

"وأن النار حقٌّ، وأنها دار عذاب أبداً، لا تفنى، ولا يفنى أهلها أبداً بلا نهاية"، فإن شيخ الإسلام لم يتعقَّب هذا الإجماع كما تعقَّب غيرها من المسائل في نقده لهذه المراتب. (٢)

*ثم يقال:

لو تنزلنا مع الخصم - تجوّزاً - وسلّمنا بصحة نسبة هذا القول لشيخ الإسلام -ولم يُنقل عنه نصٌّ صريحٌ على ذلك- فإنّ غاية ما فيه:

أن يكون رأياً رآه في أول حياته، ثم تبيَّن له خلافُه؛ وذلك جَمْعاً بين ما ثبتَ عنه من نقل الاتفاق على عدم فناء النار، وما يُنسب له من القول بفنائها،


(١) المصدر السابق (١/ ١٥٢)
(٢) انظر مراتب الإجماع (ص/٣٤٣) و"توقيف الفريقين على خلود أهل الدارين" (ص/٣٥)

<<  <  ج: ص:  >  >>