للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال ابن حزم:

قد نَص الله -عز وَجل -على أَن الْيَهُود يعْرفُونَ النَّبِي - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَمَا يعْرفُونَ أَبْنَاءَهُم وَأَنَّهُمْ يجدونه مَكْتُوبًا عِنْدهم فِي التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل، وَقَالَ تَعَالَى

{فَإِنَّهُم لَا يكذبُونَك وَلَكِن الظَّالِمين بآيَات الله يجحدون} وَأخْبر تَعَالَى عَن الْكفَّار فَقَالَ

{وَلَئِن سَأَلتهمْ من خلقهمْ ليَقُولن الله} فَأخْبر- تَعَالَى- أَنهم يعْرفُونَ صدقه وَلَا يكذبونه، وهم الْيَهُود وَالنَّصَارَى وهم كفَّار بِلَا خلاف من أحد من الْأمة، وَمن أنكر كفرهم

فَلَا خلاف من أحد من الْأمة فِي كفره وَخُرُوجه عَن الْإِسْلَام، وَنَصّ تَعَالَى

عَن إِبْلِيس أَنه عَارِف بِاللَّه تَعَالَى وبملائكته وبرسله وبالبعث وَأَنه قَالَ {رب فأنظرني إِلَى يَوْم يبعثون} وَقَالَ {أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ} وَهُوَ مَعَ ذَلِك كُله كَافِربِلَا خلاف. (١)

قال ابن القيم:

أهل السنة مجمعون على زوال الإيمان وأنه لا ينفع التصديق مع انتفاء عمل القلب، وهو محبته وانقياده، كما لم ينفع إبليس وفرعون وقومه واليهود والمشركين الذين كانوا يعتقدون صدق الرسول- صلى الله عليه وسلم - بل ويقرُّون به سراً وجهراً، ويقولون ليس بكاذب، ولكن لا نتبعه ولا نؤمن به. (٢).

٣ - زعمهم أن إتيان الكفر بالجوارح واللسان ليس بذاته كفراً، بل يكون دالاً على

ما في قلوبهم من الكفر فهذه منهم دعاوى كاذبة مفتراة، لا دليل لهم عليها ولا برهان لا من نص ولا من سنة صحيحة ولا سقيمة، ولا من حجة عقل أصلاً ولا من إجماع ولا من قياس ولا من قول أحد من السلف قبل اللعين جهم بن صفوان.

قد قَالَ تعالى {يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ} (التوبة: ٧٤)، فنص تَعَالَى على أَن من الْكَلَام مَا هُوَ كفر.

وَقَالَ تَعَالَى {وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ} (النساء: ١٤٠)

فنص تَعَالَى أَن من الْكَلَام فِي آيَات الله - تَعَالَى - مَا هُوَ كفر بِعَيْنِه مسموع.

وَقَالَ تَعَالَى {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ


(١) الفِصَل في الملل والأهواء والنحل (٣/ ١١٠)
(٢) الصلاة وحكم تاركها (ص/٥٦)

<<  <  ج: ص:  >  >>