للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٤ - الوجه الرابع:

أما تفسيرهم للتصديق -الذي هو معنى الإيمان عندهم - بالإذعان والقبول، وليس مجرد وقوع نسبة الصدق في القلب بلا إذعان ولا قبول، فيلزمهم أحد أمرين:

الأول:

أن يُدخلوا أعمال الجوارح أيضاً، لأنهم أثبتوا أن الإيمان ليس شيئاً واحداً، بل مركبٌ من التصديق وعمل القلب، فليركِّبوه من عمل الجوارح أيضاً.

الثاني:

أن يخرجوا أعمال القلوب، فيصير مذهبهم مطابقاً لمذهب الجهم بن صفوان في أن الإيمان هو الصديق، وهذا القول يلزم منه إيمان فرعون واليهود، وقد كفَّر أبو عبيد القاسم بن سلام الجهمية بهذا القول، وكذا وكيعُ وأحمدُ بن حنبل.

قال أبو العباس ابن تيمية:

إذا لم يدخلوا أعمال القلوب في الإيمان لزمهم قول جهم، وإن أدخلوها في الإيمان لزمهم دخول أعمال الجوارح أيضاً. (١)

٥ - الوجه الخامس:

وأما قولهم بعد اشتراط نطق اللسان إلا لإجراء الأحكام الدنيوية:

فقد سبق ذكر أدلة اشتراط قول اللسان لثبوت صحة الإيمان من الكتاب والسنة وإجماع الأمة عند الحديث عن أركان الإيمان في أول شرحنا لحديث الباب.

فمن آمن قلبه إيماناً جازماً امتنع أن لا يتكلم بالشهادتين مع القدرة، فعدم نطق الشهادتين مع القدرة مستلزم انتفاء الإيمان القلبي التام.

* الإيمان عند مرجئة الفقهاء:

وقد اختلف في أول من أظهر مذهب مرجئة الفقهاء، فذكرالإمام أحمد أنه ذر بن عبدالله الهمداني، وقيل هو حمَّاد بن أبي سليمان شيخ أبي حنيفة وتلميذ إبراهيم النخعي، وذكر الأوزاعي أن أول من تكلم فى الإرجاء رجل من أهل الكوفة يقال له قيس الماصر، وقيل غير ذلك، والعلم عند الله. (٢)


(١) مجموع الفتاوى (٧/ ١٩٤)، ونظر "مقالات في تناقضات الأشاعرة" (ص/١٤٤)
(٢) وأما قول أبى حنيفة بالإرجاء فهو ثابت عنه، أثبته معاصروه ومن جاء بعده، وأما ما نسب إليه من كتاب الفقه الأكبر والوصية، وهى كتب شملت على جملة من المخالفات لمنهج أهل السنة، ففى سنده مجاهيل، وثبوتها إليه فيه نظر. وانظر مسائل الإمام أحمد لإسحاق ابن إبراهيم (٢/ ١٦٢) وتهذيب التهذيب (٧/ ٤٩٠) والوعد الأخروي (٢/ ٥٨٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>