للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما سبب ظهوره فكان هو قصد جعل أهل القبلة كلهم مؤمنين ليسوا كفاراً، وذلك رداً على الخوارج والمعتزلة الذين يكفِّرون بالكبيرة، فصاروا طرفاً آخر.

وقد كان وقت ظهور القول بالإرجاء في الكوفة بعد أن ظهر الحجاج بن يوسف الثقفي على عبدالرحمن بن الأشعث.

وأما الإيمان عند مرجئة الفقهاء فهو تصديق القلب وقول اللسان، أما عمل الجوارح فهو خارج عن مسمَّى الإيمان، وأن الإيمان لا يزيد ولا ينقص ولا يستثنى منه.

مع قولهم أن مرتكب الكبيرة معرَّض للوعيد، وهو تحت المشيئة، وأما عمل القلب فمنهم من يدخله فى الإيمان، ومنهم من يجعله خارجاً عنه.

فالحاصل أن:

أعمال الجوارح عندهم ليست من الإيمان، ولكنها من لوازمه، فالعلاقة بينهما كعلاقة دائرتين متلازمتين لا تنفك إحدهما عن الأخرى، ويقولون:

انتفاء اللازم يدل على انتفاء الملزوم. (١)

*وعليه:

فالناس عندهم فى أصل الإيمان سواء، وإنما التفاضل فى لازم الإيمان، الذى هو عمل الجوارح، فهم يتفاضلون فى الجنة بحسب أعمالهم الظاهرة، وهذا ما نص عليه صاحب الطحاوية.

وأما صاحب الكبيرة فقالوا: فهو تحت المشيئة، ويُخشى عليه من العذاب. (٢)


(١) انظرحقيقة الإيمان (ص/٣٦)
(٢) أوجه الوفاق و الخلاف بين أهل السنة ومرجئة الفقهاء:
(١) أما الموافقات فتتمثل فيما يلي:
(إدخال اعتقاد القلب والنطق باللسان في الإيمان - أن أهل الكبائر تحت الوعيد - الإيمان مع ترك العمل يعرِّض صاحبه للذم والعقاب)
(٢) وأما مواضع الخلاف ففي أمرين:
أ) فيمن قال ولم يعمل:
فهو عند مرجئة الفقهاء مؤمن كامل الإيمان؛ لأنه أتى بما يمنعه من الخلود فى النار وهو الاعتقاد والقول، ومستحق للذم لتركه عمل الجوارح، وأما أهل السنة فيعدونه كافراً؛ لتركه عمل الجوارح بالكلية.
ب) قولهم بالتساوي بين الناس فى الإيمان:
فجعلوا إيمان أفجر الناس كإيمان جبريل، فمرتكب الكبيرة مؤمن تام الإيمان، إيمانه كإيمان كجبريل، وأهل السنة يقولون: أن مرتكب الكبيرة مؤمن بأصل إيمانه، فاسق بكبيرته، مع قولهم أنه مستحق لدخول النار، فهم يخالفون أهل الحديث فى الاسم لا الحكم، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية:
فهؤلاء -أي المرجئة -لا ينازعون أهل السنة والحديث في حكمه في الآخرة، وإنما ينازعونهم في الاسم، وينازعون أيضاً فيمن قال ولم يفعل، وكثير من متكلمة المرجئة تقول لا نعلم أن أحداً من أهل القبلة من أهل الكبائر يدخل النار، ولا أن أحداً منهم لا يدخلها، بل يجوز أن يدخلها جميع الفسَّاق، ويجوز أن لا يدخلها أحد منهم، ويجوز دخول بعضهم.
انظر منهاج السنة (٥/ ١٥٠) وشرح العقيدة الأصفهانية (ص/١٣٨) وبراءة أهل الحديث من بدعة الإرجاء (ص/٢٦١)، الإيمان عند االسلف (١/ ٢٩٦)

<<  <  ج: ص:  >  >>