للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإنما يراد افتراق مقيد، وإن لم يكن في الحديث نصٌّ عليه، ففي الآيات مما يدل عليه: قوله تعالى: {... وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ * مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ} [الروم: ٣١ - ٣٢]، وقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ...} [الأنعام: ١٥٩]، وما أشبهَ تلك الآياتِ الدالةَ على التفرُّق الذي صاروا به شِيعاً. ومعنى "صاروا شيعاً": جماعات، بعضهم قد فارق بعضاً، ليسوا على تآلُفٍ ولا تعاضُدٍ ولا تناصُرٍ، بل على ضد ذلك"اهـ. (١)

قال الشيخ صالح المُقبلي: "من المعلوم أنه ليس المراد من الفرقة الناجية: ألّا يقع منها أدنى اختلافٍ؛ فإن ذلك قد كان في فُضلاء الصحابة رضي الله عنهم، إنما الكلام في مُخالفة تُصيِّر صاحبَها فِرقةً مستقلةً ابتدَعَها". (٢)

*ومن الفوائد المتعلقة بحديث الباب:

قوله صلى الله عليه وسلم في حديث الباب: «كلها في النارِ إلا واحدة...» يدل على أن الحق واحد لا يتعدد.

قوله عليه الصلاة والسلام: «إلا واحدة» قد أعطى بنصّه أن الحق واحد لا يختلف، إذ لو كان للحق فرَقٌ أيضاً لَما قال: «إلا واحدة» (٣). وهذا ما تكاثرت عليه أدلة الشرع: قال تعالى: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ...} [الأنعام: ١٥٣]، فهنا قد ذكر طريق الحق على سبيل الإفراد، فهو طريق واحد، وذكر سُبُل الشيطان على صيغة الجمع، فهي كثيرة متفرقة.

وقال تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ...} [الأنعام: ١]، فقد وحَّدَ الله تعالى لفظ "النور" وجمعَ "الظلمات"؛ لأن


(١) وانظرالاعتصام (٣/ ١٢٥)، والتيسير بشرح الجامع الصغير (١/ ١٧٩).
(٢) العَلَمُ الشَّامِخ في إِيثَار الحقِّ على الآباء والمَشايخ (ص/٤١٤).
(٣) الاعتصام (٢/ ٧٥٥ (.

<<  <  ج: ص:  >  >>