للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحق واحد والكفر أجناس كثيرة، وكلها باطلة، وقال تعالى: {عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ...} [النحل: ٤٨]، وغير ذلك من الآيات التي في لفظها إشعار بتفرد الحق، وانتشار الباطل وتفرده وتشعُّبه (١).

وقال تعالى: {وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِين (٧٨) فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلاًّ آتَيْنَا حُكْماً وَعِلْماً وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِين} [الأنبياء: ٧٨ - ٧٩]،

فأخبر الله -تعالى- أن سليمانَ -عليه السلام- هوالمصيبُ، وحَمِدَه على إصابته، وأثنى على داودَ في اجتهاده، ولم يذمّه على خطئه، وهذا نصّ في إبطال قول من قال: إذا أخطأ المجتهد يجب أن يكون مذموماً، فلو كان الحق بيدِ كل واحد منهما لَما كان لتخصيص سليمان بذلك معنًى.

وقال تعالى: {فَذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ} [يونس: ٣٢].

قال ابن حزم:

"ومن ادَّعى أن الأقوال كلها حق، وأن كل مجتهد مصيب- فقد قال قولاً لم يأت به قرآن ولا سنة ولا إجماع ولا معقول، وما كان هكذا فهو باطل؛ قال تعالى: {فَذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ} [يونس: ٣٢]،

وقال تعالى: {وَلَوكَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافاً كَثِيراً} [النساء: ٨٢] (٢).

وفي الحديث الذي رواه مسلم عن بريدة الأسلمي رضي الله عنه أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال في الحديث الطويل:

«... وَإِذَا حَاصَرْتَ أَهْلَ حِصْنٍ فَأَرَادُوكَ أَنْ تَجْعَلَ لَهُمْ ذِمَّةَ اللهِ وَذِمَّةَ نَبِيِّهِ، فَلَا تَجْعَلْ لَهُمْ ذِمَّةَ اللهِ، وَلَا ذِمَّةَ نَبِيِّهِ، وَلَكِنِ اجْعَلْ لَهُمْ ذِمَّتَكَ وَذِمَّةَ أَصْحَابِكَ؛ فَإِنَّكُمْ أَنْ تُخْفِرُوا ذِمَمَكُمْ وَذِمَمَ أَصْحَابِكُمْ: أَهْوَنُ مِنْ أَنْ تُخْفِرُوا ذِمَّةَ اللهِ وَذِمَّةَ رَسُولِهِ. وَإِذَا حَاصَرْتَ أَهْلَ حِصْنٍ فَأَرَادُوكَ أَنْ تُنْزِلَهُمْ عَلَى حُكْمِ اللهِ، فَلَا تُنْزِلْهُمْ عَلَى حُكْمِ اللهِ، وَلَكِنْ


(١) تفسير القرآن العظيم (١/ ٦٨٥).
(٢) المحلَّى (١/ ٧٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>