للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَنْزِلْهُمْ عَلَى حُكْمِكَ؛ فَإِنَّكَ لَا تَدْرِي أَتُصِيبُ حُكْمَ اللهِ فِيهِمْ أَمْ لَا» رواه مسلم.

قال أبو البركات مَجْدُ الدين ابن تيمية (الجَدّ) -رحمه الله- معلقاً على هذا الحديث في كتابه [المنتقى]:

"وهو حجة في أن قبول الجزية لا يختص بأهل الكتاب، وأن ليس كل مجتهد مصيبًا، بل الحق عند الله واحد". اهـ.

كذلك يدل عليه:

قول الرسول صلى الله عليه وسلم: «إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجرانِ، وإذا اجتهد فأخطأ فله أجرٌ» متفق عليه.

قال الشوكاني:

"فقد دل -أي: الحديث- دلالةً بينةً أن للمجتهد المصيب أجرين، وللمجتهد المخطئ أجراً، فسماه مخطئاً، وجعل له أجراً، فالمخالف للحق بعد الاجتهاد مخطئ مأجور، وهو يردّ على من قال: إنه مصيب، ويرد على من قال: إنه آثم، ويرده ردّاً بيناً، ويدفعه دفعاً ظاهراً" (١).

قال شيخ الإسلام ابن تيمية:

"المجتهد إذا أدَّاه اجتهادُه إلى قول فعَمِلَ بموجَبه كلاهما مطيع لله، وهو مصيب بمعنى أنه مطيع لله وله أجر على ذلك، وليس مصيباً بمعنى: أنه علم الحق المعيّن؛ فإن ذلك لا يكون إلا واحداً، ومُصيبُهُ له أجران (٢).

وقال ابن القيم في [أحكام أهل الذمة] كلاماً رائعاً عن معنى (كل مجتهد مصيب): "وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قد منع الأمير أن يُنزل أهل الحصن على حكم الله وقال: لعلك لا تدري أتصيبه أم لا؛ فما الظن بالشهادة على الله والحكم عليه بأنه كذا أوْ ليس كذا، والحديث صريح في أن حُكم الله سبحانه في الحادثة واحد معيَّن، وأن المجتهد يصيبه تارةً، ويُخْطئه تارة.

وقد نص الأئمة الأربعة على ذلك صريحاً: قال أبو عمر ابنُ عبد البَرّ:

"ولا أعلم خلافاً بين الحُذّاق من شيوخ المالكيّينَ... ثم عدّهم،


(١) السيل الجَرّار (١/ ٢٠ (.
(٢) مجموع الفتاوَى (١٠/ ٤٧٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>