للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال العلامة السعدي:

والفأل الحسن لا يخل بعقيدة الإنسان ولا بعقله، وليس فيه تعليق القلب بغير الله، بل فيه تقوية النفوس على المطالب النافعة، أما الطيرة ففيها تعلق القلب بسماع أو رؤية ما يكره، فتراه يترك ما عزم عليه، وهذا من ضعف التوحيد والتوكل ومن طرق الشرك ووسائله. (١)

*لذا فإن الفأل والطيرة يتفقان ويفترقان:

١ - يتفقان: في التأثير إقداماً أو إحجاماً، حيث أن المتطير يقدم على الشيء أو يحجم عنه لرؤية الشيء أو لسماع الصوت، كذلك صاحب الفأل يقدم على الشيء بسماع كلمة طيبة، فالأول محرم والثاني جائز محمود.

٢ - يفترقان: أما المتطير فيمضي أو يحجم متوكلا على حركة الطير، وقلبه معلق بما رأي أو سمع، أما صاحب الفأل الحسن فيضي متوكلا على الله عز وجل، يعلم أن شأنه معلق بقدر الله لا بأحد سواه.

... وبعد ذكر الداء الذي هو التطير يأتيك الدواء، وذلك بأمور:

١ - الأول: ذكر كفارة التطير:

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو -رضى الله عنهما-قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "مَنْ رَدَّتْهُ الطِّيَرَةُ مِنْ حَاجَةٍ، فَقَدْ أَشْرَكَ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ مَا كَفَّارَةُ ذَلِكَ؟، قَالَ:

أَنْ يَقُولَ أَحَدُهُمْ: اللَّهُمَّ لَا خَيْرَ إِلَّا خَيْرُكَ، وَلَا طَيْرَ إِلَّا طَيْرُكَ، وَلَا إِلَهَ غَيْرُكَ. (٢)

٢ - الثاني: حسن التوكل على الله عز وجل:

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ-رضى الله عنه-عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -قَالَ:

"الطِّيَرَةُ شِرْكٌ، الطِّيَرَةُ شِرْكٌ، ثَلَاثًا، وَمَا مِنَّا إِلَّا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُذْهِبُهُ بِالتَّوَكُّلِ". (٣)


(١) القول السديد في مقاصد التوحيد (ص/١٠٦)
(٢) سبق تخريجه.
(٣) أخرجه البخاري في الأدب المفرد (٧١٠) وأبوداود (٣٩١٠) والترمذي (١٦١٤)، قال الترمذي: حسن صحيح. وانظر الصحيحة (٤٢٩)
تنبيه مهم:
جملة «وما منا، ولكن يذهبه الله بالتوكل»، هي مدرجة في الحديث من كلام ابن مسعود، قاله أحمد، كما نقله البيهقي في «الشعب»، قال الخطابي: قال البخاري: كان سليمان بن حرب ينكر هذه الجملة، ويقول:
هذا عندي من كلام ابن مسعود. ذكر الترمذي ذلك في العلل الكبير (٢/ ٦٩٠ - ٦٩١)
وصوَّبه ابن القيم في "مفتاح دار السعادة" (٣/ ٢٨٤) وابن حجر فى الفتح (١٠/ ٢١٣). وإليه مال جمع من الحفاظ كالبخاري والترمذي والمنذري وغيرهم.
كما أن النبي -صلى الله عليه وسلم -معصوم من أن يقع في الطيرة.
ومن العلماء من جعل جملة: (وما منا....) من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، وتأولها بمعني: وما من أمة المسلمين، والراجح الأول، والله أعلم.
وانظررسالة الشرك ومظاهره (ص/٢٢١)

<<  <  ج: ص:  >  >>