للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا هو فعله في توكله صلى الله عليه وسلم، وهكذا جاء وصفه في التوراة عنه:

قال عَبْد اللَّهِ بْن عَمْرِو- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- وقد سئل عن صِفَةِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -فِي التَّوْرَاةِ؟: " أَجَلْ، وَاللَّهِ إِنَّهُ لَمَوْصُوفٌ فِي التَّوْرَاةِ بِبَعْضِ صِفَتِهِ فِي القُرْآنِ: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا} [الأحزاب: ٤٥]، وَحِرْزًا لِلْأُمِّيِّينَ، أَنْتَ عَبْدِي وَرَسُولِي، سَمَّيْتُكَ المتَوَكِّلَ لَيْسَ بِفَظٍّ وَلَا غَلِيظٍ، وَلَا صخَّابٍ فِي الأَسْوَاقِ، وَلَا يَدْفَعُ بِالسَّيِّئَةِ السَّيِّئَةَ، وَلَكِنْ يَعْفُو وَيَغْفِرُ. (١)

* وهذا داود -عليه السلام - كان يسعى ويأكل من عمل يده. قال صلى الله عليه وسلم:

«وإِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، كَانَ يَأْكُلُ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ». (٢)

*و مريم -عليها السلام- رغم ما كانت عليه من الضعف، حال نفاسها، تؤمر أن تأخذ بالأسباب بأن تهز جذع النخلة، وكان من الممكن أن يسقط التمر بلا سعى منها، ولكنه درس بليغ، فتأمل.

وتوكل على الرحمن في كل حاجة... ولا تؤثرنَّ العجز يوماً على الطلب

ألم تر أن الله قال لمريم... وهزي إليكِ الجذع يساقط الرطب

ولو شاء أن تجنيه من غير هزها... لجنته ولكن كل شي له سبب. (٣)

هكذا انقسم الناس في باب التوكل إلى ثلاثة أقسام:

١ - قسم أفرطوا: كحال أهل التصوف الذين قالوا " نتوكل على الله فهو كافينا " فقعدوا عن الأخذ بالأسباب، بل جعلوا أن الأخذ بالأسباب قدحٌ في التوكل. (٤)


(١) أخرجه البخاري (٢١٢٥)
(٢) أخرجه البخاري (٢٠٧٢)
(٣) الأداب الشرعية والمنح المرعية (٣/ ١٧٨)
(٤) وهكذا حال الصوفية، كما ذكر ذلك القرطبي فقال: قالت طائفة من الصوفية لا يستحق اسم المتوكل إلا من لم يخالط قلبه خوف غير الله، حتى لو هجم عليه أسد لم ينزعج، وحتى لا يسعي في طلب الرزق لضمان الله تعالى لذلك الأمر.
وقد أحسن الحسن البصري حين قال -للمخبر عن عامر بن عبد الله أنه نزل مع أصحابه على ماء حال الأسد بينهم وبين الماء، فجاء عامر إلى الماء فأخذ منه حاجته، فقيل له: لقد خاطرت بنفسك! قال:
لأن تختلف الأسنة في جوفي أحب إلى أن يعلم الله أني أخاف شيئا سواه.
فقال الحسن البصري: قد خاف من كان خيرًا من عامر، موسى - عليه السلام، قال تعالى {فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خَائِفًا يَتَرَقَّبُ}، وقال {فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى)، فالمخبر عن نفسه بخلاف ما طبع الله عليه نفوس بني آدم كاذب، وقد طبعهم الله على الهرب مما يضرهم.
وانظر المُفهم لما أشكل من صحيح مسلم (١/ ٤٦٧) والكوكب الوَّهاج شرح صحيح مسلم (٥/ ١٤٤) التوضيح لشرح الجامع الصحيح (٢٧/ ٤١١)

<<  <  ج: ص:  >  >>