للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

للأسباب إتباعاً لسنة الرسول صلى الله عليه وسلم، فلقد قال للرجل: «اعقلها وتوكل»، فأشار إلى أن الاحتراز لا يدفع التوكل. (١)

... تنبيهات:

١ - التوكل عبادة قلبية، مبناها على تفويض الأمر لله عزوجل، فالمخلوق ليس له نصيب من التوكل عليه؛ فإن التوكل إنما هو تفويض الأمر والالتجاء بالقلب إلى من بيده الأمر، وعليه فلا يجوز قول القائل لشخص ما: (توكلت على الله ثم عليك).

يؤيد ذلك:

قوله تعالى: {وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إنْ كنتم مؤمنين}، فقوله "على الله" متعلقة بقوله: "فتوكلوا"، وتقديم المعمول يدل على الحصر; أي: على الله، لا على غيره. (٢)

٢ - يدخل في معنى التوكل الذي لا يصرف إلا الله: "الحسب "، فإنه لا يجوز صرفه لغير الله عزوجل، قال تعالى آمراً نبيه صلى الله عليه وسلم: (قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُون) (الزمر ٣٨)

وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) [الأنفال: ١٤)

قال ابن القيم:

قيل في معنى الآية أي حسبك الله وحسبك المؤمنون، وهذا خطأ محض لا يجوز حمل الآية عليه، فإن الحسب والكفاية لله وحده كالتوكل، وعليه فإن معنى الآية: أي الله وحده كافيك وكافي أتباعك. (٣)


(١) فتح الباري (١٠/ ٢١٢)
(٢) ومن أهل العلم من قال: إن هذه العبارة لا بأس بها؛ وذلك باعتبارأن العامة لا تقصد بها التوكل التعبدى، وإنما تريد معنى "اعتمدت عليك"، ومثل وكَّلْتُك ونحو ذلك، لكن مع ذلك فالأولى المنع لأن هذا الباب ينبغي أن يُسد. وإذا كان هذا فى قولهم " توكلت على الله ثم عليك "، فكيف بمن يقول: توكلت على الله وعليك، بل كيف بمن يقول: توكلت عليك يا فلان؟!
(٣) زاد المعاد (١/ ٣٨)
وتأمل في قوله تعالى: (وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ) [التوبة: ٥٤]. فهنا جعل الله -عز وجل -الإيتاء له تعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم، أما الحسب والرغبة فخصهما لنفسه تعالى ولم يشرك فيهما رسوله، مع عظم قدره صلى الله عليه وسلم، فلأن يخرج غيره من باب أولى.

<<  <  ج: ص:  >  >>