للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سبيل العموم. والدليل على هذا الأصل: الكتاب والسنة والإجماع والاعتبار. (١)

*وهذا التفريق السابق بين النوع والعين يفسر لنا ما قد يرد من الإشكال في فعل الإمام أحمد الذى كان يُكفِّر الجهمية، مع كونه كان يصلي خلف أئمة عصره القائلين بخلق القرآن، بل ويدعو ويستغفر لهم ويعتقد إمامتهم وينهى عن الخروج عليهم.

الشبهات التي استدل بها من قال بخلق القرآن، والرد عليها:

١ - الشبهة الأولى: قوله تعالي: (اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ) (٢)

وجه الدلالة:

القرآن شئ، فيدخل في عموم الآية، فالله خالق وما سواه مخلوق.

قال القاضي عبد الجبار:

قوله تعالى " اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ" يدل على حدوث القرآن، وأنه تعالى خلقه بعموم الآية، ولولا قيام الدلالة على إخراج أفعال العباد منه لوجب دخوله في العموم. (٣)

الجواب على هذه الشبهة أن يقال:

قوله تعالي: (اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ) هذا من العام الذي يراد به الخاص، ونظير ذلك قوه تعالي عن ملكة سبأ (وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ (٢٣))

(النمل: ٢٣)

مع أنه لم يدخل في ملكها شيء كثير، مثل ملك سليمان عليه السلام.

كذلك قوله " تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا "، فهذا العموم ليس على ظاهره، فهي لم تدمر السماوات والأرض.


(١) مجموع الفتاوى (١٢/ ٤٨٩).
(٢) نقول:
هذه الآية مما استدل به القاضي أحمد بن دؤاد علي قوله بخلق القرآن، وهذا من أعاجيب المعتزلة، وذلك أن أفعال العباد كلها عندهم غير مخلوقة لله تعالي، وإنما يخلقها العباد، فأخرجوها من عموم الآية، وأدخلوا كلام الله في عمومها، مع أنه صفة من صفاته، به تكون الأشياء المخلوقة.
(٣) المغني (٧/ ٩٤)
قلت:
تأمل كيف أخرج القاضي عبد الجبار خلق الله -تعالى- لأفعال العباد من عموم هذه الآية، رغم أن أدلة الكتاب والسنة والإجماع على خلاف ذلك، ثم تراه يدخل في عمومها خلق القرآن، رغم أن أدلة الكتاب والسنة والإجماع على خلاف ذلك.
عجيب والله أمر الهوى إذا ما تلاعب باعتقاد المرء، فعندها لا نملك إلا أن نحمد الله - تعالى - على سلامة العقل، والعافية في الدين.

<<  <  ج: ص:  >  >>