للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعليه نقول: أن قوله تعالى (اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ) إنما يتوجه لكل ما هو قابل لأن يكون مخلوقاً، والقرآن الذي هو كلام الله صفة من صفات الله عز وجل ليس مخلوقاً، لأن الله -عز وجل- لم يزل ولا يزال متصفاً بصفاته الحسني.

*وكذلك يقال:

أن عموم هذه الآية لا يتناول القرآن؛ لأنه بهذه الآية التي هي من القرآن قد حصل الإعلام بكونه خالقاً لكل شيء، وما حصل به الإعلام لم يكن داخلاً تحت الخبر، ولو أن شخصاً قال: لا أتكلم اليوم كلاماً، إلا كان كذباً، لم يدخل إخباره تحت ما أخبر به.

وهذا نفسه مذكور في القرآن في قوله تعالي في قصة مريم عليها السلام

(فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا (٢٦)) (مريم: ٢٦)

به حصل الإخبار بأنها لا تكلم الإنس، ولم يكن ما أخبرت به داخلاً تحت الخبر، وإلا كان قولها هذا مخالفاً لنذرها. (١)

*وكذلك يقال:

أرأيتم قوله تعالى (قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ) فقد أخبر الله -تعالى- عن نفسه أنه شيء، فهل ترونه -تعالى- داخلاً في عموم قوله (اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ)، فجوابكم سيكون بالنفي؛ لأنه سبحانه هو الخالق، نقول:

فكذلك قولوا في صفاته -ومنها الكلام- أنها غير مخلوقة، فالكلام في الصفات فرع على الكلام في الذات.

٢ - الشبهة الثانية:

قوله تعالى {ما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلاَّ اِسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ} [الأنبياء: ٢] والذكر هاهنا هو القرآن، وقد وصفه بالحدوث، والحادث لا يكون إلا مخلوقاً!!! (٢)


(١) وانظر بدائع الفوائد (٤/ ٢١٨).
(٢) وهذه الآية مما عورض بها الإمام أحمد-رحمه الله- في إحدى مناظرات خلق القرآن، وكان ذلك في حضرة المعتصم.
*وقد أجيب عن ذلك بأن الذكر ليس هو القرآن، بل هو الرسل بدليل قوله تعالى
(قَدْ أَنْزَلَ اللهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً (١٠) رَسُولاً يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِ اللهِ مُبَيِّناتٍ) [الطلاق: ١٠، ١١]
وانظر سير أعلام النبلاء (١١/ ٢٤٥) والإشارات الإلهية إلي المباحث الأصولية (ص/٤٣٥)
والراجح -والله أعلم- أن الذكر المقصود في الآية هو القرآن، والرد ما ذكرناه أعلاه.

<<  <  ج: ص:  >  >>