للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أصل الصفات الإلهية، وحتى لو قال المثبت لها أنا أثبت صفات الله - تعالى- على ما يليق به، وعلى نحو لا يشابه ولا يماثل صفات البشر. * وأما دعواهم أن القول بالصفات يلزم منه تشبيه الله -تعالى- بخلقه:

فهو كلام بيِّن البهتان وظاهر البطلان، مخالف للكتاب والسنة والإجماع والعقل والحس: نقول أولاً:

قد أثبتت الأدلة المحكمة نفي المماثلة بين الله وخلقه:

قال تعالى (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (١١)) (الشورى: ١١)

وقال عزوجل (رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا (٦٥)) (مريم: ٦٥)، وقال تعالى (وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ (٤)) (الإخلاص: ٤) وعن هَانِئٍ بْنِ يَزِيدَ - رضي الله عنه - قَالَ:

سَمِعَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَهُمْ يَكْنُونِي أَبَا الْحَكَمِ، فَدَعَانِي صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ لِي:

إِنَّ اللهَ هُوَ الْحَكَمُ، وَإِلَيْهِ الْحُكْمُ، فَلِمَ تُكَنَّى أَبَا الْحَكَمِ؟

فَقُلْتُ: إِنَّ قَوْمِي إِذَا اخْتَلَفُوا فِي شَيْءٍ أَتَوْنِي فَحَكَمْتُ بَيْنَهُمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: " مَا أَحْسَنَ هَذَا، فَمَا لَكَ مِنْ الْوُلْدِ؟

فَقُلْتُ: لِي شُرَيْحٌ، وَعَبْدُ اللهِ، وَمُسْلِمٌ، قَالَ: " فَمَنْ أَكْبَرُهُمْ؟

قُلْتُ: شُرَيْحٌ، قَالَ: " فَأَنْتَ أَبُو شُرَيْحٍ ". (١)

ووجه الدلالة:

أن النبي - صلى الله عليه وسلم- قد عمد إلى تغيير كنية الرجل لما رأى نوع مشابهة بين فعل الرجل في حكمه بين الناس وبين فعل الله تعالى.

فقد يُظن أن إطلاق ذلك أن يكون المخلوق مماثلاً للخالق، فيقال له: هذا باطل؛ فإن الله -تعالى- موجود حقيقة والعبد موجود حقيقة، وله تعالي ذات حقيقة والعبد له ذات حقيقة، وليس ذاته تعالى كذات المخلوقات.

وكذلك له علم وسمع وبصر حقيقة، وللعبد سمع وبصر وعلم حقيقة، وليس علمه وسمعه وبصره مثل علم العبد وسمعه وبصره، ولله كلام حقيقة، وليس كلام الخالق مثل كلام المخلوقين. (٢)


(١) أخرجه البخاري في الأدب المفرد (٨١١) وأبو داود (٤١٤٥) وصححه الألباني.
(٢) الانتقاد الرجيح (ص/٨١)

<<  <  ج: ص:  >  >>