فلا سبيل للجمع بين هذه المحكمات إلا بالقول بثبوت الصفات الإلهية على ما يليق به عزوجل.
فالذي قال الله عن نفسه:{إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً}[النساء: ٥٨]. وقال عن الإنسان:{إِنَّا خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً}[الإنسان: ٢]. قد نفي أن يكون السميع كالسميع والبصير كالبصير فقال:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}[الشورى: ١١]
فعلمنا من ذلك أن:
" الاشتراك في الأسماء والصفات لا يستلزم تماثل المسمَّيات والموصوفات "
* وأما العقل:
فمن المعلوم بالعقل أن المعاني والأوصاف تتقيد وتتميز بحسب ما تضاف إليه، فكما أن الأشياء مختلفة في ذواتها فإنها كذلك مختلفة في صفاتها وفي المعاني المضافة إليها، فإن صفة كل موصوف تناسبه لا يفهم منها ما يقصر عن موصوفها أو يتجاوزه.
ولهذا نصف الإنسان باللين، والحديد المنصهر باللين، ونعلم أن اللين متفاوت المعنى بحسب ما أضيف إليه.
* وأما الحس:
فإننا نشاهد للفيل جسماً وأقداماً وقوة، وللبعوضة جسماً وأقداماً وقوة، ونعلم الفرق بين جسميهما، وأقدامهما، وقوتيهما.
فإذا علم أن الاشتراك في الاسم والصفة في المخلوقات لا يستلزم التماثل في الحقيقة مع كون كل منها مخلوقاً ممكناً، فانتفاء التلازم في ذلك بين الخالق والمخلوق أولى وأجلى، بل التماثل في ذلك بين الخالق والمخلوق ممتنع غاية الامتناع؛ والاشتراك في أصل المعنى لا يستلزم المماثلة في الحقيقة.
* وأما زعمهم أن القول بالصفات يلزم وصف الله -تعالى - بالجسمية:
فهذا لازم باطل؛ لأن هناك من الأشياء ما لها صفات وليست بجسم، كقولك