للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذكرناهما في هذا الباب هو النهي عن الحلف بغير الله تعالى لا الإباحة. (١)

٤) الثالث:

أن فيه إضمار اسم الرب، كأنه قال " ورب أبيه "، ذكره الخطابي. (٢)

* ويجاب على ذلك:

بأنه خلاف الأصل؛ فالأصل في الكلام عدم التقدير.

٥) الرابع:

أن ذلك خاص بالشارع دون غيره من أمته.

وتعقب بأن الخصائص لا تثبت بالاحتمال، فالأصل العام أن أفعال الرسول - صلى الله عليه وسلم - وأقواله هى من باب التشريع، إلا ما خصه الدليل.

٣) الخامس:

أن لفظة " وأبيه " تقع على وجهين:

أحدهما للتعظيم والآخر للتأكيد، فقوله " وأبيه "في الحديث إنما هى من باب التأكيد، فقد كانت هذه كلمة جارية على ألسنتهم من باب التأكيد لا التعظيم، كقوله " ولعمري " (٣)، والنهي إنما وقع عمن قصد بها التعظيم؛ لأن هذا هو مقصود اليمين الشرعى.

يؤيده:

أن فيه ذكر أبي الأعرابي، ولا يُحلف بأبي الغير تعظيماً وتوقيراً. (٤)

فكانت كلمة "وأبيه " لا يقصد بها القسم، ونظير ذلك ما جرى على لسانهم من قول:

" عقرى حلقى، وثكلتك أمك، وتربت يمينك "، وهذا مما لا شك فيه أن قائله لا يقصد به الدعاء على الشخص المخَاطب بها، وقال به البيهقى والقاضى عياض والقرطبي.


(١) شرح مشكل الآثار (٢/ ٢٩٥)
(٢) معالم السنن (١/ ١٥٧)
(٣) عَنْ خَارِجَةَ بْنِ الصَّلْتِ، عَنْ عَمِّهِ، أَنَّهُ مَرَّ بِقَوْمٍ فَأَتَوْهُ، فَقَالُوا: إِنَّكَ جِئْتَ مِنْ عِنْدِ هَذَا الرَّجُلِ بِخَيْرٍ، فَارْقِ لَنَا هَذَا الرَّجُلَ فَأَتَوْهُ بِرَجُلٍ مَعْتُوهٍ فِي الْقُيُودِ، فَرَقَاهُ بِأُمِّ الْقُرْآنِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ غُدْوَةً وَعَشِيَّةً، وَكُلَّمَا خَتَمَهَا جَمَعَ بُزَاقَهُ، ثُمَّ تَفَلَ فَكَأَنَّمَا أُنْشِطَ مِنْ عِقَالٍ فَأَعْطَوْهُ شَيْئًا، فَأَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَذَكَرَهُ لَهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
"كُلْ؛ فَلَعَمْرِي لَمَنْ أَكَلَ بِرُقْيَةٍ بَاطِلٍ، لَقَدْ أَكَلْتَ بِرُقْيَةٍ حَقٍّ" (أخرجه أبوداود (٣٤٢٠)، وصححه الألبانى)
وقد ورد في المدونة الكبري أن الإمام مالكاً - رحمه الله - سئل: أرأيتَ قولة (لعمري) أتكون هذه يمينًا؟
قال: «لا تكون يمينًا». وانظر كشف شبهات الصوفية (ص/١٣٠)
(٤) المجموع للنووي (١٤/ ١١٦) وشرح السنة (١٠/ ٧)

<<  <  ج: ص:  >  >>