والثواب والعقاب معنى غير ظاهره، وإنها لذَّات روحانية، ومعان باطنة. (١)
* عود إلى حديث الباب:
قَالَ صلى الله عليه وسلم: «أَنْ تُؤْمِنَ بِاللهِ، وَمَلَائِكَتِهِ، وَكُتُبِهِ، وَرُسُلِهِ، وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ»
وأما الإيمان بالقدر وهو الركن السادس من أركان الإيمان، وهذا ركن من الأركان التى يمتاز بها أهل السنة عن أهل البدع، والمخالفون في هذا الباب من أوائل أهل البدع الذين ظهروا في صدر الإسلام.
وقد ذكرنا في أول شرحنا لهذا الحديث أن مناسبته إنما جاءت لما خرجت نابتة سوء تخوض جهلاً وتنطق كفراً بنفى القدر وأن الأمر أُنُف، فتصدَّى لها أهل العلم من سلف الأمة من الصحابة -رضى الله عنهم- والتابعين وتابعيهم بإحسان إلى يوم الناس هذا.
... وأما معنى الإيمان بالقضاء والقدر ومراتبه، وما يتعلق بهذا الباب من شبهات والرد عليه فقد سبق ذكره مفصلاً عند شرحنا للحديث الرابع من هذا الكتاب، حديث "بلوغ العَلَم شرح حديث أول ما خلق الله القلم"، بما يغني عن إعادته.
* عودٌ إلى حديث الباب:
قَالَ جبريل عليه السلام: فَأَخْبِرْنِي عَنِ الْإِحْسَانِ؟
قَالَ النبي صلى الله عليه وسلم: «أَنْ تَعْبُدَ اللهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ»
والمرتبة الثالثة من مراتب الدين هى الإحسان، وهذه المرتبة لها ركنان وهما:
أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك، وهذه ذروة مراتب الدين وأعلاها، وهو تمام الإخلاص.
قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ} [النحل: ١٢٨]
قوله صلى الله عليه وسلم (أَنْ تَعْبُدَ اللهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ)، وهذا يدفع إلى العمل، ويشعر بمراقبة الله --تعالى- ومعيته مع الإنسان؛ فإن رؤية الله -تعالى- لما تعذَّرت في الحياة الدنيا فعلى المرء أن يستشعر هذا المعنى مما يجعله يزداد إقبالاً ومحبة لربه تعالى.
(١) الشفا بتعريف حقوق المصطفى (٢/ ٦١٥)