للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واكتساب بعضهم أخلاق بعض بالمعاشرة والمشاكلة، وكذلك الآدمي إذا عاشر نوعاً من الحيوان اكتسب بعض أخلاقه، ولهذا صار الخيلاء والفخر في أهل الإبل، وصارت السكينة في أهل الغنم، وصار الجمَّالون والبغالون فيهم أخلاق مذمومة، من أخلاق الجمال والبغال، وكذلك الكلَّابون، وصار الحيوان الإنسي، فيه بعض أخلاق الناس من المعاشرة والمؤالفة وقلة النفرة.

فالمشابهة والمشاكلة في الأمور الظاهرة، توجب مشابهة ومشاكلة في الأمور الباطنة على وجه المسارقة والتدريج الخفي.

وقد رأينا اليهود والنصارى الذين عاشروا المسلمين، هم أقل كفراً من غيرهم، كما رأينا المسلمين الذين أكثروا من معاشرة اليهود والنصارى، هم أقل إيماناً من غيرهم ممن جرد الإسلام، والمشاركة في الهدي الظاهر توجب أيضا مناسبة وائتلافاً، وإن بعد المكان والزمان، فهذا أيضا أمر محسوس. (١)

وقد كره مالك أن يسكن أحد ببلد يسب فيه السلف، فكيف ببلد يكفر فيه بالرحمن وتعبد فيه من دونه الأوثان، لا تستقر نفس أحد على هذا إلا وهو مسلم سوء مريض الإيمان. (٢)

* بل قد حث الشرع على التمسك بهذا الأصل الذى هو الولاء والبراء حتى بعد موت الكافر، فيبقي الولاء للمسلمين حتى بعد موتهم، ويبقي التبرء من المشركين حتى بعد موتهم.

قال الله تعالى: {وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وماتوا وهم فاسقون} (التوبة: ٨٤)

وكذلك فالسنة لمن مر على مقابر المسلمين أن يسلِّم عليهم ويدعو لهم، فقد كَانَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُعَلِّمُ أصحابه إِذَا خَرَجُوا إِلَى الْمَقَابِرِ أن يَقُولُوا:

السَّلَامُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الدِّيَارِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُسْلِمِينَ، ويرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين، وَإِنَّا إِنْ


(١) اقتضاء الصراط المستقيم (ص/٣١٢)
(٢) الْمُقدمَات الممهداَت (ص/٦١٢)

<<  <  ج: ص:  >  >>