للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال ابن بطال:

أجمعت الأمة أن كل من ركب من أهل بدر ذنبًا بينه وبين الله فيه حد، أو بينه وبين الخلق من القذف أو الجرح أو القتل فإنه عليه فيه الحد والقصاص. (١)

* وقد ذكر الطحاوى إشكالاً قال فيه:

فقال قائل:

كيف تقبلون عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم - في تركه العقوبة على حاطب فيما كان منه، فإن قلتم: لأنه قد كان من أهل بدر، وقد سبق لهم من الله ما سبق، قيل لكم: فقدامة قد كان له من بدر في شهوده إياها كما كان لحاطب في مثل ذلك، ولم ير عمر ولا عليُّ ولا من كان بحضرتهما دفع العقوبة عنه لذلك على جرمه الذي كان منه!! (٢)

فكان جوابنا له في ذلك:

أن من سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمره بإقالة ذوي الهيئات عثراتهم إلا في حد من حدود الله تعالى، وكان حاطب لشهوده بدراً، ولما كان عليه من الأمور المحمودة من ذوي الهيئة، ولم يكن الذي أتى مما يوجب حداً، إنما يوجب عقوبة ليست بحد، فرفعها عنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما كان معه من الهيئة، وكان الذي كان من قدامة فيه حد لله فلم يرفعه عمر ولا عليُّ، ولا من سواهما لهيئته؛ لأن الهيئة إنما ترفع العقوبات التي ليست حدوداً، ولا ترفع العقوبات التي هي حدود. (٣)

* يؤيده:

ما ورد عَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها- أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " أَقِيلُو ذَوِي الْهَيْئَاتِ عَثَرَاتِهِمْ إِلَّا الْحُدُودَ ". (٤)


(١) شرح صحيح البخارى لابن بطال (٨/ ٥٩٨)
(٢) وكان قدامة -رضى الله عنه- قد شر الخمر متأولاً قوله تعالى {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ، ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا، ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا} [المائدة: ٩٣]
(٣) شرح مشكل الآثار (١١/ ٢٧٦)
(٤) أخرجه أحمد (٢٥٤٧٤) وأبو داود (٤٣٧٥) قال ابن حجر: الحديث المشهور من طرق ربما يبلغ درجة الحسن، بل صححه ابن حبان بغير استثناء. وانظرالصحيحة (٦٣٨)
المقصود بالإقالة: رفع العقوبة، والعثرات: الزلات والسقطات.
قال أحمد: وإنما أراد بهذا، والله أعلم، الأئمة يقيلون ذوي الهيئات عثراتهم ما لم يكن حد، فإذا كان حدا وبلغ الإمام فلا يدعه، ولا ينبغي لأحد أن يشفع فيه.
قال ابن الأثير: أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم: هم الذين لا يُعرَفون بالشر، فيزل أحدهم الزلة. انظر معرفة السنن والآثار (٦/ ٤٧١) والنهاية (٥/ ٢٨٥)

<<  <  ج: ص:  >  >>