للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٢) الثانى:

قوله تعالى (فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ):

وهذه المغفرة إنما حصلت لهم بذات العمل الذى أسلفوه والذى هو شهود بدر، لذا فما وقعوا فيه بعد ذلك إنما هو مغفور لهم بذلك وإن لم يحدثوا لذلك توبة، وهذا المعنى يقرره شيخ الإسلام ابن تيمية بقوله:

والله - تعالى- لم يشترط في الأمر بالعفو عنهم والصفح والإحسان إليهم التوبة، وكذلك حاطب بن أبي بلتعة كاتب المشركين بأخبار النبي - صلى الله عليه وسلم -، فلما أراد عمر - رضى الله عنه- قتله قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إنه قد شهد بدراً، وما يدريك أن الله قد اطلع على أهل بدر، فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم"، وكذلك ثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - في الصحيح أنه قال: " لا يدخل النارَ أحدٌ بايعَ تحت الشجرةِ ".

وهذه النصوص تقتضي أن السيئات مغفورة بتلك الحسنات، ولم يشترط مع ذلك توبة، وإلا فلا اختصاص لأولئك بهذا، والحديث يقتضي المغفرة بذلك العمل. (١) * الثالث:

قوله صلى الله عليه وسلم: (وما يدريك أنَّ الله اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم).

فإذا سأل سائل:

هل المراد بقوله تعالى (فقد غفرتُ لكم) مغفرة الكبائر أم الصغائر فقط؟

فالجواب:

أن من شهد بدراً فإنه يُغفر له الكبائر؛ إذ لو قيل تُغفر لهم الصغائر إذا تاب،

فلا فرق إذن بين أهل بدر وغيرهم، فمن المعلوم أن كل واحد تغفر له الصغائر باجتناب الكبائر، وكل واحد يُغفر له بالتوبة، ولما كان ثمة خصيصة بهذا لأهل بدر، فدل على أن المراد بالمغفرة إنما هو ما يتعلق بالكبائر، والله أعلم.


(١) الإيمان الأوسط (ص/٣٣٥)

<<  <  ج: ص:  >  >>