للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

* وعليه يقال:

أنه لا منافاة بين علوه -تعالى - وبين معيته لخلقه:

قال شيخ الإسلام ابن تيمية:

أخبر الله في كتابه، وتواتر عن رسوله صلى الله عليه وسلم، وأجمع عليه سلف الأمة أنه سبحانه فوق سمواته على عرشه، عليٌ على خلقه، وهو سبحانه معهم أينما كانوا يعلم ما هم عاملون، كما جمع بين ذلك في قوله {هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ}. (١)

* وقد ضرب الإمام أحمد لرد ظاهر هذا التعارض مثالين، فقال:

لو أن رجلاً كان في يديه قدح من قوارير صافٍ، وفيه شراب صافٍ، لكان نظر ابن آدم قد أحاط بالقدح من غير أن يكون ابن آدم في القدح. والله ـ وله المثل الأعلى ـ قد أحاط بجميع خلقه من غير أن يكون في شيء من خلقه.

وخصلة أخرى:

لو أن رجلاً بنى دارًا، ثم أغلق بابها وخرج منها، كان لا يخفى عليه كم بيتًا في داره، وكم سعة كل بيت من غير أن يكون في جوف الدار، فالله ـ وله المثل الأعلى ـ قد أحاط بجميع ما خلق، وعلم كيف هو من غير أن يكون في شيء مما خلق. (٢)

* فالله - تعالى - مستوٍ على عرشه استواءً لائقاً بكماله وجلاله، وجميع الخلائق في يده أصغر من حبة خردل، فهو مع جميعهم بالإحاطة الكاملة والعلم التام، ونفوذ القدرة سبحانه وتعالى علواً كبيراً.

ألا ترى - ولله المثل الأعلى- أن أحدنا لو جعل في يده حبة من خردل أنه ليس داخلاً في شيء من أجزاء تلك الحبة، مع أنه محيط بجميع أجزائها، والسماوات والأرض ومن فيهما في يده - تعالى - أصغر من حبة خردل في يد أحدنا، وله المثل الأعلى، فهو أقرب إلى الواحد منا من عنق راحلته، مع أنه مستوٍ على عرشه. (٣)


(١) مجموع الفتاوى (٣/ ١٤٢)
(٢) الرد على الجهمية والزنادقة (ص/١٤٩)
(٣) دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب (ص/٢٣٠)

<<  <  ج: ص:  >  >>