للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويأخذ بالوسيلة الصغرى، التي لا تقارن بالأولى، وهي التوسل بالعباس، لماذا؟ لا لشيء إلا ليبين للناس أنه يجوز لهم التوسل بالمفضول مع وجود الفاضل!!

* إن الشاهد والمعلوم أن الإنسان إذ حلّت به شدة يلجأ إلى أقوى وسيلة عنده في دفعها، ويدَع الوسائل الأخرى لأوقات الرخاء، وهذا كان يفهمه الجاهليون المشركون أنفسهم، إذ كانوا يَدعون أصنامهم في أوقات اليسر، ويتركونها ويدْعون الله - تعالى - وحده في أوقات العسر،

كما قال تبارك وتعالى: (فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ (٦٥)) (العنكبوت: ٦٥)

فنعلم من هذا أن الإنسان بفطرته يستنجد بالقوة العظمى، والوسيلة الكبرى حين الملمات والمضايق، وقد يلجأ إلى الوسائل الصغرى حين الأمن واليسر.

* ثانياً نقول:

أن المجمل في رواية البخاري من قول عمر بن الخطاب رضى الله عنه:

" وَإِنَّا نَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ بِعَمِّ نَبِيِّنَا "، قد ورد مبيناً عند عبد الرزاق، عن إبراهيم بن محمد، عن حسين بن عبد الله، عن عكرمة، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ عُمَرَ، اسْتَسْقَى بِالْمُصَلَّى، فَقَالَ لِلْعَبَّاسِ: قُمْ فَاسْتَسْقِ، فَقَامَ الْعَبَّاسُ، وفى رواية " يا أبا الفضل؛ قمْ فادع ". (١)

فدل ذلك على أن قول عمر بن الخطاب رضى الله عنه:

" وَإِنَّا نَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ بِعَمِّ نَبِيِّنَا "، أى نتوسل إليك بدعاءه.

قال ابن حجر:

فتبين بهذا أن في القصة المذكورة أن العباس كان مسئولًا، وأنه ينزل منزلة الإمام إذا أمره الإمام. (٢)

* شبهة أخرى:

عَنْ مَالِكِ الدَّارِ- وَكَانَ خَازِنَ عُمَرَ عَلَى الطَّعَامِ- قَالَ:

أَصَابَ


(١) أخرجه عبد الرزاق (٤٩١٣)، وكان مما دعا به العباس رضى الله عنه:
" اللهم إنه لم ينزل بلاء إلا بذنب ولم يكشف إلا بتوبة، وقد توجه القوم بي إليك لمكاني من نبيك، وهذه أيدينا إليك بالذنوب ونواصينا إليك بالتوبة فاسقنا الغيث، فأرخت السماء مثل الجبال "
(٢) فتح الباري (٢/ ٧٠٤)

<<  <  ج: ص:  >  >>