للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٢ - الثاني:

أن مقياس الصلاح والأصلح ليس راجعاً إلى مقياس عقول البشر، بل إن ذلك راجع إلى ما تقتضيه حكمة الله تعالى، فقد تكون على خلاف ما يراه الخلق بادئ الرأي في عقولهم القاصرة؛ فانقطاع المطر قد يبدو لكثير من الناس أنه ليس الأصلح بينما قد يكون هو الأصلح، لكنه مراد لغيره؛ لقوله تعالى: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [الروم: ٤١].

وكذلك استدراج الكفار بالنعم، وابتلاء المسلمين بالمصائب كل ذلك يحمل في طياته ضروباً من الحكم التي لا تحيط عقول البشر إلا بأقل القليل منها.

بل إن خلق إبليس، وتقدير المعاصي، وتقدير الآلام يتضمن حكماً تبهر العقول وتُبين عن عظيم حكمة أحكم الحاكمين. (١)

٣ - الثالث:

أن القول برعاية الصلاح أو الأصلح مبني على تشبيه الخالق بالمخلوق فيما يحسن من أفعاله ويقبح، وذلك باطل شرعاً وعقلاً؛ وذلك لأن التشبيه فى الأفعال كالتشبيه فى الذات والصفات. قال ابن القيم:

قياس أفعال الله -تعالى- على أفعال عباده من أفسد القياس وأعظمه بطلاناً؛ فإنه تعالى كما أنه ليس كمثله شيء في ذاته ولا في صفاته فكذلك ليس كمثله شيء في أفعاله.

وكيف يقاس على خلقه في أفعاله فيحسن منه ما يحسن منهم ويقبح منه ما يقبح منهم، ونحن نرى كثيراً من الأفعال تقبح منا وهي حسنة منه تعالى؟!

كإيلام الأطفال والحيوان، وإهلاك من لو أهلكناه نحن لقبح منا من الأموال والأنفس وهو منه تعالى مستحسن غير مستقبح.

وترك إنقاذ الغرقي والهلكي قبيحاً منا، وهو سبحانه إذا أغرقهم وأهلكهم لم يكن قبيحاً منه، وإذا كان هذا شأنه سبحانه وشأننا، فكيف يصبح قياس أفعاله على أفعالنا؟! (٢)


(١) مصطلحات في كتب العقائد (ص/٧٠)
(٢) وانظر مفتاح دار السعادة (٢/ ٥٢) ومباحث في الربوبية والقدر (ص/٢٧٠)

<<  <  ج: ص:  >  >>